القبور. قال القرطبي: (اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعلّ السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج، وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك، وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء).
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (٤/ ٩٥): (وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة الظاهر).
والخلاصة: إن الاعتبار بزيارة القبور من أنفع أنواع الاعتبار، وكذلك شهود الناس عند الاحتضار.
قال العلماء: (ينبغي لمن أراد علاج قلبه، وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه، أن يكثر من ذكر هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وموتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتَضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين. فهذه ثلاثة أمور، ينبغي لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه، أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه).
أخرج ابن ماجة والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ["أكثروا هادم اللذات" -يعني الموت-] (١).
ورواه البيهقي وابن حبان بلفظ: [أكثروا ذكر هادمِ اللذات: الموتُ، فإنه لم يذكُرهُ أحدٌ في ضيقٍ من العيش إلا وسَّعه عليه، ولا ذكَره في سَعة إلا ضَيَّقَها عليه].
وقوله تعالى: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾. قال الحسن: (هذا وعيد بعد وعيد). والمقصود: زَجْرٌ لهم على التكاثر، وتَنْبيهٌ على أنهم سيعلمون عاقبة ذلك يوم القيامة.
وقوله تعالى: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾. أي: لو علمتم حق العلم لما ألهاكم التكاثر عن طلب الآخرة، حتى صرتم إلى المقابر. قال النسفي: (﴿كَلَّا﴾ تكرير الردع للإنذار والتخويف ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ﴾ -جواب لو محذوف-، أي: لو تعلمون ما بين أيديكم ﴿عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ علم الأمر يقين، أي كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور لما ألهاكم

(١) حسن صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (٤٢٥٨). والترمذي في أبواب الزهد. انظر صحيح سنن الترمذي (١٨٧٧). ورواه البيهقي وابن حبان كما في الرواية الأخرى. انظر "تخريج الإرواء" (٦٨٢)، وصحيح الجامع (١٢٢٢).


الصفحة التالية
Icon