يغير بعضها على بعض ويسبي بعضها بعضًا، فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم. وقد آمنهم كذلك من خوف الحبشة مع الفيل، ومن أشياء كثيرة أخرى.
وعن ابن عباس: (﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ حيث قال إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ (إبراهيم: ٣٥]). وعن مجاهد: (﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ قال: آمنهم من كل عدو في حرمهم).
وقال قتادة: (كان أهل مكة تجارًا، يتعاورون ذلك شتاء وصيفًا، آمنين في العرب، وكانت العرب يغير بعضها على بعض، لا يقدرون على ذلك، ولا يستطيعونه من الخوف، حتى إن كان الرجل منهم ليصاب في حي من أحياء العرب، وإذا قيل حَرَمِيٌّ خُلِّيَ عنه وعن ماله، تعظيمًا لذلك فيما أعطاهم اللَّه من الأمن). وقال ابن زيد: (كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضُها بعضًا، فأمنوا من ذلك لمكان الحرم، وقرأ: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧]).
والخلاصة: لقد جَمَعَ اللَّه لقريش بين الأمن والرُّخص، فأطعمهم دون تعب، وآمنهم دون نصب، فليفردوه بالعبادة والتعظيم، ومتابعة هذا النبي الكريم، عليه وعلى الأنبياء أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ثم إن المعظم لدين اللَّه المستجيب لأمره يجمع اللَّه له بين أمن الدنيا والآخرة، أمّا أَمْنُ الدنيا فهي نعمة من أجل نعم اللَّه على العباد، ولاسيما حين تعصف في الأرض رايات الفتن وتهدد البلاد.
قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: ١١٢].
وفي جامع الترمذي بسند حسن عن عُبيدِ اللَّه بن مِحْصَن الخطمي، -وكانت له صحبة- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُم آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسَدهِ، عِنْدَهُ قوتُ يومِه، فكأنما حِيزت له الدنيا] (١). وَحِيزت: أي جُمِعَت.
وأما أَمْنُ الآخرة، فهو أكبَرُ وأعلى وأجَلّ من أمن الدنيا، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ