السجود، ويُتِمُّ السجودَ ولا يُتِمُّ الركوعَ] (١).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴾. قال الضحاك: (يعني المنافقين). وقال ابن عباس: (هم المنافقون، كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا). وقال ابن زيد: (يصلون، وليس الصلاة من شأنهم، رياءً). والمقصود: إنما هم يراؤون الناس بصلاتهم إذا صلوا، وكذلك في جمع أعمالهم التي ظاهرها البِرّ، ليثنوا عليهم. كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٤٢].
وفي صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: [قال اللَّه تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركتُه وشركه] (٢).
وفي مسند الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد مرفوعًا: [ألا أخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: الشرك الخفي: يقوم الرجل فيصلي فيُزين صلاته، لما يرى من نظر الرجل] (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾. الماعون: اسم لما يتعاوره الناس بينهم، من الدلو والفأس والقِدْر، وما لا يمنع، كالماء والملح. وقيل الماعون هو الزكاة: أي يمنعون زكاة أموالهم.
قال ابن كثير: (أي: لا أحسنُوا عبادةَ ربهم، ولا أحسنُوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما يُنْتَفَعُ به ويُستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم، فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى).
وأصل الماعون في لغة العرب من المَعْن وهو القليل -حكاه الطبري-. أو من المعونة، والألف عوض من الهاء -حكاه الجوهري-. قال قطرب: (أصل الماعون من القلة، والمَعْنُ: الشيء القليل، تقول العرب: ماله سَعْنَة (٤) ولا معنة، أي شيء

(١) حديث حسن. أخرجه الأصبهاني في "الترغيب" (ق ٢٣٦/ ٢)، وإسناده حسن، رجاله ثقات. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة -حديث رقم- (٢٥٣٥).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢٩٨٥) -كتاب الزهد والرقائق-، وقد مضى.
(٣) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٣٠) وسنده حسن. وانظر تفصيل البحث في كتابي: "أصل الدين والإيمان - عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان" (١/ ٤٩٥ - ٤٩٩).
(٤) السّعنة: الكثير.


الصفحة التالية
Icon