وأبو لهب هو أحد أعمام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واسمه: عبد العُزّى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عُتبة، وإنما سُمِي "أبا لهب" لإشراقِ وَجْهه، وكان كثيرَ الأذِيَّةِ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والبِغْضَةِ له، والازدراء به، والتنقّص له ولدينه.
فقد أخرج إلإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، والترمذي بسند حسن عن ربيعة بن عَبّاد (١) رضي اللَّه عنه قال: [رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا اللَّه، تُفلحوا. (وفي رواية الترمذي: تفلحوا وتملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم، فإذا متم كنتم ملوكًا في الجنة، وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئ كاذب). وفي رواية أحمد: (والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجلٌ وضِيءُ الوجه أحولُ ذو غَدِيرتَيْن، يقول: إنه صابِىٌ كاذبٌ يَتْبَعُه حيث ذَهب، فسألت عنه فقالوا: هذا عَمُّه أبو لهب)] (٢).
وروى أحمد والطبراني بسند حسن عن حسين بن عبد اللَّه بن عُبَيد اللَّه بن عباس قال: سمعت ربيعة بن عَبَّاد الدِّيليَّ يقولُ: [إني لَمَعَ أبي رجلٌ شابٌ أَنظرُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتَّبع القبائل - ووراءه رَجُلٌ أحوَلُ وضيءٌ، ذو جُمَّةٍ - يَقِفُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على القبيلة فيقول: "يا بني فُلان! إني رسول اللَّه إليكم، أمركم أن تعبدوا اللَّه لا تُشرِكوا به شيئًا، وأن تُصدِّقوني وتمنعُوني حتى أُنَفِّذَ عن اللَّه ما بعثني به". وإذا فَرَغَ من مقالته قال الآخرُ من خَلْفِه: يا بني فُلان! هذا يريدُ منكم أن تَسلَخُوا اللاتَ والعُزَّى، وحُلفاءكم من الجنِّ من بني مالك بن أُقَيش، إلى ما جاء به من البِدْعَةِ والضَّلالة، فلا تَسْمعوا له ولا تَتَّبعوه. فقلت لأبي: مَنْ هذا؟ قَال: عَمُّهُ أبو لَهَب] (٣).
وكان أبناء أبي لهب متزوجين ببنات محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمرهم بفراقهن، فطلق عتبة وعتيبة رُقَيَّة وأمَ كلثوم. ولربما تأثر أبو لهب بزوجته الشّرسة أم جميل بنت حرب، وهي أخت

(١) هو من بني الديل، وكان جاهليًا فأسلم.
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٣٤١)، وكذلك (٣/ ٤٩١ - ٤٩٣)، ورواه الحاكم (١/ ١٦)، والترمذي بإسناد حسن، وانظر ما بعده.
(٣) حديث حسن. أخرجه أحمد (٣/ ٤٩٢)، والطبراني في "الكبير" (٤٣٨٩)، وأخرجه الحاكم (١/ ١٥)، وأحمد (٣/ ٤٩٢) من وجه آخر، وصححه على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي. وأورده ابن كثير في التفسير، وانظر ما قبله.


الصفحة التالية
Icon