برب جميع الخلق من الإنس والجن وغير ذلك، فله الكبرياء وحده في السماوات والأرض وهو يجير ولا يجار عليه، وهو الملك لا يشاركه في ملكه أحد، وهو الإله الحق فلا يستحق غيره العبادة ولا يجوز صرفها من دونه لأحد.
فقوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾.- التجاء إلى اللَّه الرب الملك الإله العظيم، من شر الوسواس الرجيم.
قال الحافظ ابن كثير: (هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية: فَهو رب كل شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدًا في الخبال، والمعصوم من عصمه اللَّه).
قلت: وقد أمر اللَّه بالاستعاذة من شر هذا الوسواس وهو الشيطان، ولم يأمر سبحانه بلعنه وسبّه وشتمه، فإنما هو ابتلاء من اللَّه يسلطه على من اتبع هواه وأعرض عن دينه، فالخلاص منه يكون بالاستعاذة باللَّه منه والالتجاء إليه بتعظيم دينه وشرعه.
يروي الديلمي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لا تسبوا الشيطان، وتعوذوا باللَّه من شره] (١).
فالشيطان موكل ببني آدم، وما من أحد إلا ومعه قرينه من الجن، كما معه قرينه من الملك، فهو في حالة توازن ما لم يُؤْثِر الهوى، ويرغب أن يطغى.
روى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده، عن عبد اللَّه بن مسعود عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [ما منكم من أحد، إلا وقد وُكِّل به قرينُه من الجِنِّ وقرينُه من الملائكة. قالوا: وإياك؟ قال: وإيايَّ، إلا أن اللَّه أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير] (٢).
قال ابن عباس: (ما من مولود إلا على قلبه الوسواس، فإذا عقل فذكر اللَّه خنس، وإذا غفل وسوس، قال: فذلك قوله: ﴿الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢٨١٤)، كتاب صفات المنافقين. ح (٦٩). باب تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينًا.