الحديث الثالث: أخرج أحمد والطيالسي وأبو داود بسند صحيح عن ابن عباس قال: [جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! إني أُحَدِّثُ نفسي بالشيء لأَنْ أَخِرَّ من السماء أحبّ إليَّ مِنْ أَنْ أتَكَلَّمَ به. قال: فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، الحمدُ للَّه الذي رَدَّ كيدَه إلى الوسوسة] (١).
وفي لفظ أبي داود: [إن أحدنا يجد في نفسه، يعرض بالشيء، لأن يكون حُمَمَة -أي يصير فحمًا- أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، الحمد للَّه الذي ردّ كيده إلى الوسوسة].
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾. المرادُ الشيطان الوسواس.
قال ابن جرير: (يعني بذلك الشيطان الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس: جِنَّهم وإنْسهم).
وقوله تعالى: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾. فجعل الجن في هذه الآية ناسًا، كما جعلهم في الآية الأخرى رجالًا فقال: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ﴾ فالجن سماهم مرة ناسًا ومرة رجالًا.
قلت: ومن وساوسه أن يعرض للمسلم في أوقات أحوج ما يحتاج فيها إلى الخشوع والتدبر واستحضار القلب فيجهد ليفسد على المؤمن طمأنينته وخشوعه. وتفصيل ذلك:
أولًا - يعرض له في الصلاة إذا وقف بين يدي اللَّه سبحانه:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: [إن الشيطان إذا سمع النداء أحالَ له ضُراطٌ حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجعَ فوسوس] (٢).

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (١/ ٢٣٥)، والطيالسي (٢٧٠٤)، وأبو داود (٥١١٢)، وابن حبان (١٤٧) وإسناده صحيح على شرطهما. وانظر صحيح سنن أبي داود (٤٢٦٤).
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (٣٨٩)، كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه. من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.


الصفحة التالية
Icon