يمين. قال مجاهد: (يجتنّون بها، قال: ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا). قال قتادة: (﴿جُنَّةً﴾: سترة يستترون بها كما يستتر المستجنّ بِجُنّتِه في حرب وقتال، فيمنعون بها أنفسهم وذراريهم وأموالهم، ويدفعون بها عنها).
وقوله: ﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾. أي فصدوا الناس عن الإسلام والجهاد، بالتنفير وإلقاء الشبه والاقتداء بهم في تخلّفهم. وقيل: صرفوا المؤمنين عن إقامة حكم اللَّه عليهم من القتل والسَّبي وأخذ الأموال.
وقوله: ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. قال النسفي: (من نفاقهم وصدّهم الناس عن سبيل اللَّه، وفي ﴿سَاءَ﴾ معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين).
وقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾. أي: أقروا باللسان ثم كفروا بالقلب. وفيه إثبات أن الذي استقر عليه أمر المنافقين هو الكفر. ولذلك قال بعدها ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾: أي ختم عليها بالكفر. قال قتادة: (أقروا بلا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقلوبهم منكرة تأبى ذلك).
وقوله: ﴿فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾. أي: الحق من الباطل، والمعروف من المنكر، لطبع اللَّه على قلوبهم وإقفالها. قال القاسمي: (﴿فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ أي حقيقة الإيمان، وحمكة الرسالة والدين).
وقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾. أي: وإذا نظرت -يا محمد- إلى هؤلاء المنافقين لأعجبتك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورتها.
وقوله: ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾. أي: كانوا ذوي فصاحة وبلاغة، فلو سمعهم السامع لأصغى إلى حديثهم لبلاغة ألسنتهم. قال ابن عباس: (كان عبد اللَّه بن أُبَيّ وسيمًا جسيمًا صحيحًا صبيحًا ذَلِقَ اللسان، فإذا قال سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مقالته. وصفه اللَّه بتمام الصورة وحسن الإبانة).
وقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾. قال النسفي: (إلى الحائط، شُبِّهوا في استنادهم -وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير- بالخشب المسندة إلى الحائط، لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكًا غير منتفع به أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع، أو لأنهم أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام).