المطلب الثاني
التشكيك في الأحكام الشرعية
ظهرت تفاسير تعرضت لآيات الأحكام، وما تشمله من مُسلَّمات معلومة من الدِّين بالضروروة، تجاهلًا منهم للنصوص الواردة في الكتاب والسُّنة تارة، ومخالفة للغة العربية تارةً أخرى، وقد استخدم أصحابها التفسير بالبيان المتَّصل أداةً؛ لنقض الأحكام الشّرعية، وتحميل النصوص ما لا تحتمل، ولبيان ذلك نستعرض بعض النماذج:
النموذج الأول: [قصر تحريم الربا على (ربا النَّسيئة)، وإباحة غيره]
في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ (١)
قال محمد رشيد رضا (٢): " قد علم مما تقدم في تفسير الآيات أنها نزلت في وقائع كانت للمُرابين من المسلمين قبل التحريم، فالمراد بالربا فيها ما كان معروفًا في الجاهلية من ربا النسيئة؛ أي ما يؤخذ من المال لأجل الإنساء، أي التأخير في أجل الدَّين، كأن يكون للرجل على آخر دينٌ مؤجل يختلف سببه بين أن يكون ثمنًا اشتراه منه أو قرضا اقترضه، فإذا جاء الأجل ولم يكن للمدين مالٌ يفي به؛ طلب صاحبَ المال أن ينسِئ له في الأجل ويزيد في المال، وكان يتكرر ذلك حتى يكون أضعافًا مضاعفة، فهذا ما ورد القرآن بتحريمه لم يُحرم فيه سواه، وقد وصفه في آية آل عمران التي جاءت دون غيرها بصيغة النّهي، وهي قوله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً
_________
(١) سورة آل عمران: ١٣٠.
(٢) هو محمد رشيد بن علي رضا القلموني، البغدادي الأصل، ولد سنة ١٢٨٢ هـ، لازم الشيخ محمد عبده وتتلمذ عليه، أصدر مجلة (المنار)؛ لبث آرائه في الإصلاح الديني والاجتماعي، من مؤلفاته: (تفسير القرآن الكريم) ولم يكمله، و"الوحي المحمدي"، توفي سنة ١٣٥٤ هـ. يُنظر: الأعلام (٦/ ١٢٦)، ومعجم المفسرين (٢/ ٥٢٩).


الصفحة التالية
Icon