فبعد الوقوف على قصة نزول الآية، تبين لنا أثر علم النزول في فهم الآية، وفهم وجه إشكال المعنى على بعض الصحابة، لا سيما وقد تجزأ نزول الآية الواحدة، فقوله: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ بيان متصل بالآية، ولكنه نزل متراخٍ عن أولها.
ثانيا: ما جاء في نزول قول الله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (١)، أن البراء (٢) - رضي الله عنه -، قال: لما نزلت: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، دَعَا رَسُولُ اللهِ - ﷺ - زَيْدًا (٣) - رضي الله عنه -، فَجَاءَ بِكَتفٍ، فَكَتبَها، وَشَكَى ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ - رضي الله عنه - (٤) ضِرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ " (٥).
_________
(١) سورة النساء: ٩٥.
(٢) هو البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الحارثي الخزرجي، يكنى أبا عمارة، استصغره رسول الله - ﷺ - يوم بدر، وشهد الجمل وصفين والنهروان مع علي - رضي الله عنه -، وتوفي سنة ٧٢ هـ. يُنظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (١/ ١٥٥)، وأسد الغابة (١/ ٣٦٢).
(٣) هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن لوذان الأنصاري النجاري، صحابي مشهور، من كتاب الوحي، استصغر يوم بدر، وكانت ترد على رسول الله - ﷺ - كتب بالسريانية، فأمر زيدا فتعلمها في بضعة عشر يوما، استخلفه عمر - رضي الله عنه - على المدينة ثلاث مرات، توفي سنة ٤٥ هـ على الأغلب. يُنظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (٢/ ٥٣٧)، وأسد الغابة (٢/ ٣٤٦).
(٤) هو عمرو بن زائدة، وقيل عبدالله بن قيس الأعمى، الصحابي المشهور، أسلم قديما، كَانَ يؤذن لرسول الله - ﷺ - مع بلال - رضي الله عنه -، وكان النبيّ - ﷺ - يستخلفه على المدينة في عامّة غزواته يصلّي بالناس، توفي أواخر خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. يُنظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (٣/ ٩٩٨)، والإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٤٩٥).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قوله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ.. الآية﴾، (٤/ ٢٤)، رقم الحديث: ] ٢٨٣١ [، من حديث البراء - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon