بقوله: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾، ثم شرع في ذكر تفاصيل تلك القصة، وكيف كذّبوه، ثم بيّن أمارة ذلك التكذيب، فقال: ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾، أي حين انبعث لعقرها بنشاطٍ وحرصٍ أشقى القوم، وهو قدَّار بن سالف، مع سكوت قومه على ما يفعل مما يدل على رضاهم عن فعله، فقال رسول الله صالح - عليه السلام -، لثمود: احذروا ناقة الله وسقياها، وإنما حذرهم سقيا الناقة؛ لأنه كان تقدم إليهم عن أمر الله، أن للناقة شرب يومٍ، ولهم شرب يومٍ آخر غير يوم الناقة، فكذّبوا صالحًا في خبره الذي أخبرهم به، من أنّ الله الذي جعل شرب الناقة يومًا، ولهم شرب يومٍ معلومٍ، وكذبوه فيما حذّرهم منه، من نزول العذاب إن خالفوا أمره فيها، فدمَّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك، وكفرهم به، وتكذيبهم رسوله صالحًا، وعقرهم ناقته، فسوى الدمدمة عليهم جميعهم، فلم يفلت منهم أحد (١).
" وعرضُ القصَّة بهذه الطريقة أسلوبٌ من أساليب التَّشويق يصنعه الآن المؤلفون والكُتَّاب في قصصهم، فيعطوننا في بداية القصة لقطةً لنهايتها؛ لإثارة الرغبة في تتبع أحداثها، ثم يعود فيعرض لك القصة من بدايتها تفصيلاً... ومن ذلك أسلوب القرآن في قصّة أهل الكهف، حيث ذكر القصّة موجزةً فقال: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢)﴾ (٢)، ثم أخذ في عرضها تفصيلاً، فقال: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (١٣)﴾ (٣).
_________
(١) يُنظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية (٥/ ٤٨٩، ٤٨٨)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، للنسفي (٣/ ٦٤٩)، تفسير المراغي (٣٠/ ١٧٠).
(٢) سورة الكهف: ٩ - ١١.
(٣) سورة الكهف: ١٣.


الصفحة التالية
Icon