ويفهم من ذلك أن الظاهر دليل شرعي يجب اتباعه والعمل به، بدليل إجماع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ، ولا يجوز تركه إلا بتأويل" (١).
نماذج توضح الضّابط:
النموذج الأول:
قال تعالى: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٩٧)﴾ (٢).
قال أبو حيان عند قوله: ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾: "وظاهر الآية وسياق الكلام أن هذه الجملة هي مفسّرة لبعض آيات البيت، ومُذكّرة للعرب بما كانوا عليه في الجاهلية من احترام هذا البيت، وأمن من دخله من ذوي الجرائم" (٣).
ورجَّحه الطبري بعد أن عرض أقوال العلماء في ذلك، فقال: "وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب، قول من قال: "الآيات البينات، منهنّ مقام إبراهيم"،.. فيكون
_________
(١) يُنظر: البحر المحيط في أصول الفقه (٥/ ٣٥، ٣٦)، وروضة الناظر (١/ ٥٠٨).
"والتأويل: صرف اللفظ عن الاحتمال الظاهر إلى احتمال مرجوح به؛ لاعتضاده بدليل يصير به أغلبَ على الظن من المعنى الذي دل عليه الظاهر.
ولفظ التأويل في القرآن يراد به ما يؤول الأمر إليه، وإن كان موافقاً لمدلول اللفظ ومفهومه في الظاهر، ويراد به تفسير الكلام وبيان معناه، وإن كان موافقاً له، وهو اصطلاح المفسرين المتقدمين كمجاهد وغيره، ويراد به صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلي المرجوح لدليل يقترن بذلك.
وتخصيص لفظ التأويل بهذا المعني إنما يوجد في كلام بعض المتأخرين فأما الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين كالأئمة الأربعة وغيرهم فلا يخصون لفظ التأويل بهذا المعنى، بل يريدون المعنى الأول أو الثاني". يُنظر: درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية (١/ ١٤).
(٢) سورة آل عمران: ٩٧.
(٣) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٢٧٣).