بدت نواجذه؛ تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله - ﷺ -: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾» (١).
ومع مجيء هذا الإذن الصريح من النبي - ﷺ - بقوله وفعله، فقد جاء عنه ما يدل على أنه ليس مطلقاً، وانتقد صراحة من سأل أهل الكتاب أو تتبع كتبهم، فغضب - ﷺ - من عمر - رضي الله عنه - حينما رأى في يده صحيفة من التوراة، وقال: «أَمُتَهَوِّكُوْنَ (٢) فيها يا بن الخطاب؟ ! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى - ﷺ - كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني» (٣).
_________
(١) سورة الزمر من الآية (٦٧)، والحديث أخرجه البخاري في مواطن عدة من صحيحه؛ منها كتاب التفسير، باب قوله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ (٦/ ٣٣) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) متهوكون أي: متهورون من التهوك، وهو التهور والوقوع في الأمر بغير روية، وقيل معنى التهوك: التحير. النهاية في غريب الحديث (٥/ ٢٨٢) مادة "هوك".
(٣) رواه الإمام أحمد في مسنده (٣/ ٣٨٧) وهذا لفظه، وروى نحوه في (ص ٣٣٨) من الجزء نفسه، ورواه الدارمي في سننه (١/ ١٢٢)، وابن أبي شيبة في مصنفه (٩/ ٤٧)، وابن أبي عاصم في السنة (١/ ٢٧) كلهم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، وفي إسناده مجالد بن سعيد الهَمْداني، وليس بالقوي؛ فقد تغير في آخر عمره كما في تقريب التهذيب (ص ٥٢٠)، وانظر مجمع الزوائد (١/ ١٧٤)، وقد صحح إسناده ابن كثير في البداية والنهاية (١/ ٢١٥)، وقال في موضع آخر (٣/ ٣٥): «إسناده على شرط مسلم»، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (٦/ ٣٤).
ورواه أحمد في المسند (٣/ ٤٧٠، ٤/ ٢٦٥)، وعبد الرزاق في المصنف (٦/ ١١٣) من حديث عبد الله بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف كما في تقريب التهذيب (ص ١٣٧)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (١/ ١٧٣) عن هذا الحديث: «رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه جابراً الجعفي، وهو ضعيف»، وانظر فتح الباري لابن حجر (١٣/ ٣٣٤)، وأشار البخاري في التاريخ الكبير (٣/ ١/٣٩) إلى عدم صحة إسناده، وللحديث شاهد عند ابن الضريس في فضائل القرآن (ص ٥٤)، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (٢/ ١٦١) عن الحسن البصري أن عمر بن الخطاب فذكر نحوه، وله شاهد آخر عند عبد الرزاق في مصنفه (٦/ ١١٢) عن أبي قلابة أن عمر فذكر نحوه، لكن هذان الشاهدان فيهما انقطاع بين عمر وبين الحسن وأبي قلابة.
والحاصل أن الحديث لا تخلو أسانيده من ضعف، لكنه ليس بالشديد، ثم هو ينجبر بتعدد طرقه وشواهده، قال ابن حجر في فتح الباري (١٣/ ٥٢٥) بعد سياق طرقه: «وهي وإن لم يكن فيها ما يحتج به، لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلاً».


الصفحة التالية
Icon