الخوض في التفسير، بل إن ورع السلف عن الكلام في التفسير أشد وأعظم من ورعهم عن غيره من العلوم الشرعية، فهم يرون الكلام في الحلال والحرام أخف وأسهل من الكلام في التفسير، ومما يدل على ذلك أنهم إذا سئلوا عن الأحكام الفقهية ونحوها أجابوا، فإن تعلق السؤال بكتاب الله ومعانيه أحجموا وتوقفوا، ومن الشواهد في ذلك:
١ - عن يزيد بن أبي يزيد (١) قال: «كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع» (٢).
٢ - وتقدم قول الشعبي: «لأن أكذب مائة كذبة على محمد - ﷺ - أحب إلي من أن أكذب في القرآن كذبة، إنما يفضي الكاذب في القرآن إلى الله».
٣ - وعن ابن جريج (٣) قال: «كنت أسأل عطاء عن كل شيء يعجبني، فلما
_________
(١) هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي مولاهم البصري، يلقب بالرشك؛ معربة عن الفارسية وتعني الغيور، روى عن ابن المسيب ومطرف، وعنه شعبة ومعمر، حديثه في الكتب الستة، توفي عام (١٣٠).
انظر: الجرح والتعديل (٤/ ٢/٢٩٧)، وميزان الاعتدال (٦/ ١١٨)، وتهذيب التهذيب (٤/ ٤٣٤).
(٢) جامع البيان (١/ ٨٠ - ٨١).
(٣) هو أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى القرشيين، ولد بمكة سنة (٨٠)، وروى عن عطاء وابن دينار ونافع، وعنه الثوري والأوزاعي، من أوائل من صنف الكتب، توفي سنة (١٥٠). انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (٥/ ٣٦١)، وتاريخ بغداد (١٠/ ٤٠٠)، وتذكرة الحفاظ (١/ ١٦٩).