ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن
مما ينبغي العلم به أن الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - حين أحجموا عن التفسير وتورعوا عن القول فيه، كانوا على علم تام بأن الله تعالى لم يقبض نبيه - ﷺ - إلا بعد أن أكمل به الدين، فلم يترك أمراً ولا حادثة يحتاج الناس إلى بيانها إلا وبين حكمها: إما نصاً أو دلالة، ومن ذلك تفسير القرآن الكريم، فقد بين - ﷺ - لأصحابه معانيه كما بين لهم ألفاظه، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (١).
ولم يكن ورع الصحابة والتابعين عن التفسير وإحجامهم عن الكلام فيه ناشئاً عن عدم العلم بمعنى الآية دائماً، فقد يسمع أحدهم في معناها شيئاً ومع ذلك يتورع عن الكلام فيها، كما سبق عن الشعبي قوله: «والله ما من آية إلا وقد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله تعالى».
وأيضاً فليس إحجامهم عن تفسير القرآن ظناً منهم أن الحق محجوب عن الأمة
_________
(١) سورة النحل آية (٤٤).