الساكن، وتسكين المتحرك، وصرف ما لا ينصرف، وحذف الكلمة ما لم تلتبس بأخرى» (١). كما إنه يحتمل في الشعر «وضع الشيء في غير موضعه دون إحراز فائدة، ولا تحصيل معنى» (٢). وهذه الضرورة التي تعرض للشعر تهبط بفصاحته، وتبعده عن واقع اللغة المألوف للناس (٣). وقد نبَّهَ سيبويه إلى ذلك بإشارتهِ إلى عدم جواز بعض الأساليب إلا في ضرورة الشعر (٤). وقال عند قول كثير عزة:
لِمَيَّةَ مُوحشًا طللُ (٥)
«وهذا كلام أكثر ما يكون في الشعر، وأقل ما يكون في الكلام» (٦). فالاضطرار يجعل الشاعر ينطق بما لم يَرِدْ به سَمَاعٌ عن العرب (٧).
وبعض العلماء لا يعد هذا عيبًا، وإنما يعدُّه من باب الرخصة في الشعر، كما عَقَدَ ابنُ رشيق لذلك بابًا سماه «الرخص في الشعر»، وجاء فيه قوله: «وأذكر هنا ما يجوز للشاعر استعماله إذا اضطر إليه» (٨). ويذكر الألوسي أن الحكم النحوي ينقسم إلى رخصة وغيرها، والرخصة ما جاز استعماله لضرورة الشعر (٩)، وجاء نحوه عند السيوطي (١٠).
وهناك من رأى عدم التفريق بين الشعر وغيره من اللغة، وأن ما جاز في الشعر جاز في اللغة من باب أولى؛ لأن الشعر أصل كلام العرب، وقد نقل أبو جعفر النحاس هذا الرأي فقال: «بعض أهل النظر يقول: كل ما يجوز في الشعر فهو جائز في الكلام؛ لأن الشعر أصل
_________
(١) العقد الفريد ٤/ ١١ - ١٢.
(٢) تحصيل عين الذهب ١/ ٢٩.
(٣) انظر: المزهر ١/ ١٨٨.
(٤) انظر: الكتاب ١/ ٥١.
(٥) لم أجده في ديوانه.
(٦) الكتاب ٢/ ١٢٣ - ١٢٤.
(٧) انظر: الخصائص ١/ ٣٩٦.
(٨) العمدة في صناعة الشعر ونقده ٢/ ٢٦٩.
(٩) انظر: الضرائر ١٤.
(١٠) انظر: الاقتراح ٣٠.


الصفحة التالية
Icon