كلام العرب، فكيف نتحكم في كلامها، ونجعل الشعر خارجًا عنه» (١).
وهناك من رأى أن ما ورد في الشعر مخالفًا لقواعد النحويين أخطاء لا مسوغ لها (٢)، وعلى هذا الرأي فهي عيوب يعاب بها الشاهد الشعري، وإن لم تسقط الاستشهاد به، يقول ابن فارس: «وما جعل الله الشعراء معصومين، يوقون الخطأ والغلط» (٣). ويذكر أبو هلال العسكري أن الشعراء المتقدمين قد وقعوا في مثل هذه الضرورات التي هي من الأخطاء لعدم علمهم بقبحها، ولو نقدت أشعارهم كما نُقِدَتْ أشعار المتأخرين، وعرفوا ذلك العيب فيها لتجنبوه (٤). ويقول الأفغاني بعد إيراده لبعض الشواهد التي تحمل على الضرورات عند جمهور النحويين قال: «إلى شواهد كثيرة ألجأت فيها الضرورةُ الشاعرَ إلى خَللٍ في نظم تراكيبه، فهذا كله خطأ ارتكب ضرورة، حين كان الشعر يرتجل، فلا يجوز بناء حُكْمٍ عليه البتةَ» (٥). وتسمية هذا بِخُصوصيةِ الشِّعْرِ بنَمَطٍ من الكلام أولى بسبب الاختلاف في مفهوم «الضرورة»؛ للتباين بين معناها اللغوي المعجمي، وبين ما اصطلح عليه جمهور النحويين (٦).
ومن أمثلة ذلك ما ذكره الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا﴾ [البقرة: ٨٨] (٧) قال: «ولا يجوز تثقيلُ - أي تَحريك - عين «فُعُل» منه، إلا في ضرورةِ شِعْرٍ، كما قال طرفة بن العبد:

أيُّها الفتيانُ في مَجلِسِنَا جَرِّدوا منها وِرَادًا وشُقُر (٨)
يريد: شُقْرًا، إلا أَنَّ الشِّعرَ اضطرَّه إلى تَحريكِ ثانيهِ فحرَّكهُ» (٩).
_________
(١) إعراب القرآن ٥/ ٩٧.
(٢) انظر: ذم الخطأ في الشعر لابن فارس ١٧.
(٣) انظر: الصاحبي ٤٦٨، وذم الخطأ في الشعر ٦.
(٤) انظر: الصناعتين ١٥٠.
(٥) في أصول النحو ٧٠.
(٦) انظر: أصول التفكير النحوي لعلي أبو المكارم ٢٧٦ - ٢٧٧.
(٧) البقرة ٨٨.
(٨) ديوانه ٥٧.
(٩) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٣٢٤.


الصفحة التالية
Icon