العرب بحكمة فيأتي القرآن بهذه الحكمة على وجه أبلغ وأرقى، أمن الحق أن ننكر أن العرب قالوا مثلًا: «القتل أنفى للقتل». لمُجرد شبه بقول القرآن: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: ١٧٩] (١). أو من الحق أن ننكر أن زهيرًا قال:
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنَايَا يَنَلْنَهُ | وَلو رَامَ أَسْبَابَ السَّماء بِسُلَّمِ (٢) |
ومما يتصل بمجافاة منهج ديكارت أنه عقد فصلًا عن (الشعوبية ونحل الشعر) ولكنه لم يأت برواية تدل على أن بعض الشعوبية نحل شعرًا جاهليًا، وقال الخضر حسين: «وقال المؤلف عن الشعوبية ما شاء أن يقول من كتاب الأغاني قصصًا عن أبي العباس الأعمى، وإسماعيل بن يسار، وقصارى ما تدل عليه هذه القصص، أن الأول كانوا يهجو آل الزبير، وأن الثاني كان يبغض آل مروان، وله شعر يفخر فيه بالأعاجم، وزعم أنه وصل بهذا إلى ما كان يريده من تأثير الشعوبية في انتحال الشعر، ولكنه لم يستطع أن يضرب لك مثلًا يريك كيف انتحلت الشعوبية شعرًا جاهليًا، فضاق بمنهج ديكارت» (٥).
وكذلك أخذوا عليه في فصل السياسة ونحل الشعر أنه لم يأت بمثل واحد يمثل الانتحال يثبت فيه أن واحدًا من القرشيين أو الأنصار اختلق شعرًا ونسبه إلى شعرائه في الجاهلية.
خامسًا: التناقضُ:
فمرة يرى أن العرب:
«لم يكونوا في عزلة سياسية واقتصادية بالقياس إلى الأمم الأخرى | بل كانوا أصحاب علم ودين وأصحاب |
(١) البقرة ١٧٩.
(٢) انظر: ديوانه ٢٤.
(٣) النساء ٧٨.
(٤) نقض كتاب في الشعر الجاهلي ٢١٢.
(٥) المصدر السابق ٢٤٧.