لتشمل جَميع القضايا العلمية الأخرى كالنحو، والبلاغة، وغيرها.
فأما المرحلة الأولى فلما كان النبي - ﷺ - بين أصحابه، فقد كان مرجعهم في تبيين الكتاب، ولم يكونوا يصدرون عن سواه فيه فقد كفاهم، ولأنَّه «مِمَّا ينبغي أن يُعْلَمَ أن القرآن والحديث إذا عُرِفَ تفسيرُهُ من جهة النبي - ﷺ -... لم يُحْتَجْ في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم» (١). ومن تمام تعليم رسول الله - ﷺ - القرآن للناس بيان معانيه ومعرفة أحكامه، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] (٢)، ومن ثَمَّ «فإن سنة رسول الله - ﷺ - تُبَيّن القرآن، وتدل عليه، وتعبر عنه» (٣). وقد كان الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي - ﷺ - إذا جاء الوحي انتظروا بيان رسول الله - ﷺ - وتفسيره فيما يحتاجُ إلى شرح وبيان وهو قليل، وربما عمدوا إلى سؤاله عما يشكل عليهم من الوحي. كما أن النبي - ﷺ - قد أباح لهم أن يفهموا القرآن؛ لأن الآلة كانت متحصلة لهم، وصوَّب لهم خطأهم فيما يخطئون فيه، دون أن يلوم أحدًا منهم أو يؤاخذه على فهمه، كما في قصة نزول قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢] (٤)، حين شقَّ ظاهرُها على الناس حتى كشف لهم النبي - ﷺ - عن معناها كما في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ شق ذلك على أصحاب رسول الله - ﷺ -، وقالوا: أيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله - ﷺ -: «ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: ﴿يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] (٥)» (٦).
وكما في قصة عدي بن حاتم رضي الله عنه عند نزول: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] (٧)، حيث قال عدي: لما نزلت (وذكر
_________
(١) فتاوى ابن تيمية ١٣/ ٢٧.
(٢) النحل ٤٤.
(٣) فتاوى ابن تيمية ١٣/ ٢٩.
(٤) الأنعام ٨٢.
(٥) لقمان ١٣.
(٦) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم ٣٢ ومواضع أخرى، ومسلم برقم ١٢٤
(٧) البقرة ١٨٧.