الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٤٧)﴾ [النحل: ٤٧] (١) فسأَلَ عن معنى التَّخُوّفِ. فقام رجلٌ من قبيلةِ هُذيلٍ وقال: «التخوفُ عندنا التنقصُ»، فلم يُسلِّم له عمر بن الخطاب بجوابه، وإنما طلب حُجةً وشاهدًا على صحة قوله كما هي عادته في التحقق والاستيثاق، فأنشدهُ الهذليُّ قولَ شاعرهم يصف ناقته:

تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنها تَامِكًا قَرِدًا كَمَا تَخَوَّفَ عُوْدَ النبَّعْةِ السَّفِنُ (٢)
فقال عمر رضي الله عنه: «أيها الناس، تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم فإن فيه تفسيرَ كتابكم» (٣). وهذا التفسيرُ للتخوِّفِ هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد وغيرِهما (٤) من المفسرين وأهل اللغة كابن الأعرابي واللحيانيُّ حيث قال: «تَخوَّفتُ الشيءَ: تنقصته، قال الله عَزَّوَجَلَّ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ أي: على تَنقُّصٍ» (٥).
وفَرَّقَ ابنُ عاشور بينَ: «تَخَوَّفَ» اللازم والمتعدِّي من حيث المعنى، فقال: «التخوُّفُ في اللغة يأتي مصدر «تَخَوَّفَ» القاصر بِمعنى: خافَ، ومصدر «تَخَوَّفَ» المتعدي بِمعنى: تنقَّص، وهذا الثاني لغة هذيل (٦)، وهي من اللغات الفصيحة التي جاء بها القرآن» (٧). وقد اختلف العلماء كما تقدم في نسبة الشاهد الشعري الذي يستدل به بعض المفسرين في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه، وفي
_________
(١) النحل ٤٧.
(٢) تقدم تخريجه ص ٥٨، وانظر: شرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري ٧٨.
(٣) سبق تخريجه، ويضاف: الموافقات ١/ ٥٨، تفسير الطبري (هجر) ١٤/ ٢٣٦، إيضاح الوقف والابتداء ١/ ٩٨، معاني القرآن للزجاج ٣/ ٢٠١، الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١٠٩، المحرر الوجيز (قطر) ٨/ ٤٢٧ - ٤٢٩.
(٤) انظر: تفسير الطبري (هجر) ١٤/ ٢٣٤ - ٢٣٨، الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١١٠، التفسير الصحيح لحكمت بشير ٣/ ١٨٥.
(٥) أمالي القالي ١/ ٢١٢، الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١١٠.
(٦) التحرير والتنوير ١٤/ ١٦٧.
(٧) انظر: لغة هذيل للدكتور عبد الجواد الطيب ١٢٨.


الصفحة التالية
Icon