أولًا: أَنَّ المسائل تضمنت ألفاظًا سُئِلَ عنها ابنُ عباس ليست من الغريب لوضوحها وسهولتها، إذ إنه لو جاز له أن يَسألَ عن معاني أمثال هذه الكلمات: رِئْيَا، حَميم آنٍ، تَتْبِيب، حَنِيذ، رِبِّيون، فما يَجوزُ له أن يسأل عن مثل: عذابٍ أليمٍ، أطعموا البائِسَ، اضربُوا كُلَّ بَنَانٍ، وعشرات غيرها مِمَّا يُعَدُّ متداولًا مفهومًا لا يَحتاج إلى سؤال، حتى لو كان نافع بن الأزرق يقصد بأسئلته التعنت والمُماراة، فالمتوقع من المتعنت والمُجادل أن يَعْمدَ إلى السؤال عن الغامض البعيد، لا إلى الظاهر القريب.
ثانيًا: وجود شواهد شعرية لشعراء بعد نزول القرآن، كحسان بن ثابت وأمية بن أبي الصلت، بل بعد هؤلاء أمثال عمر بن أبي ربيعة، وهؤلاء الشعراء متأثرون فيما قالوا بعد الإسلام بالقرآن بعد أن قرأوه وتدارسوه، وهذا لا يغيب عن سائلٍ كنافعِ بنِ الأزرق، حيث يقول في سؤاله لابن عباس بعد جوابه له: «وهل كانت العرب تعرف ذلك من قبل أن يُنَزَّلَ الكتابُ على محمد - ﷺ -» (١). فيستبعد قبول نافع بهذه الشواهد لتأخرها.
ثالثًا: وجود شواهد شعرية في هذه المسائل لشعراء بعد ابن عباس بزمنٍ طويلٍ، وجهالة كثير من قائلي الشواهد، وهذه من العقبات التي واجهت محمد فؤاد عبد الباقي (ت ١٣٨٨ هـ) حين درس هذه المسائل ضمن «معجم غريب القرآن». ففي لفظ «الحُسْبَان» تستشهد الرواية عند السيوطي بقول حسان بن ثابت، ويعلق على ذلك عبدالباقي بقوله: «ليس في ديوانه» (٢)، وكذلك في ألفاظ أخرى كـ «رِبِّيون»، و «ضِيْزَى»، و «المُعْصِرات» (٣). هذا دون الكلام عن الأبيات المختلف في نسبتها، أو المنسوبة إلى أكثر من قائل، أو الأبيات التي تصرف فيها الرواة حذفًا أو زيادة.
_________
(١) مسائل نافع بن الأزرق ٣٥.
(٢) معجم غريب القرآن ٢٧٦.
(٣) انظر: المصدر السابق ٢٨٢، ٢٩٤، ٢٩٦.


الصفحة التالية
Icon