فقد نقل أقوالَ مَنْ وَجَّهَ قِراءَة الفَتحِ، ونقل الشاهد الشعري الذي استشهدوا به، ووجهَ الاستشهاد، وقد رجَّحَ الطبريُّ قراءةَ الكسرِ، وقال: «والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءةُ مَنْ قرأ ﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ بكسرِ الدَّالِ؛ لإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من تأويلهم». (١)
- ومن الأمثلة كذلك قول الطبري: «فإن قال قائل: وكيف قيل لهم: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٩١] (٢) فابتدأ الخبر على لفظ المستقبل، ثم أخبر أنه قد مضى؟ قيل: إن أهل العربية مختلفون في تأويل ذلك.
فقال بعضُ البصريين (٣): معنى ذلك: فلم قتلتم أنبياء الله من قبلُ، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ [البقرة: ١٠٢] (٤) أَيْ: مَا تَلَتْ.
وكما قال الشاعر: (٥)
ولقدْ أَمُرُّ على اللئيمِ يَسُبُّنِي... فَمضيتُ عنهُ، وقُلتُ: لا يَعنيني (٦)
يريد بقوله: «ولقد أَمُرُّ»، ولقد مَررتُ، واستدلَّ على أنَّ ذلك كذلك، بقوله: «فمضيتُ عنه»، ولم يقلْ: فأمضي عنه. وزعم أن «فَعَلَ» و «يَفْعَلُ» قد تشترك في معنى واحد، واستشهد على ذلك بقول الشاعر (٧):
_________
(١) المصدر السابق ١٣/ ٤١٦، وانظر: مجاز القرآن ١/ ٢٤١، معاني القرآن للفراء ١/ ٤٠٤.
(٢) البقرة ٩١.
(٣) هو الأخفش الأوسط، كما في معاني القرآن له ١/ ١٤٤ - ١٤٥.
(٤) البقرة ١٠٢.
(٥) هو شمر بن عمرو الحنفي كما في الأصمعيات ١٢٦، ولعميرة بن جابر الحنفي كما في حماسة البحتري ١٧١، ولرجل من بني سلول كما في الكتاب ٣/ ٢٤، وبلا نسبة في الصاحبي ٣٦٤.
(٦) انظر: الكتاب لسيبويه ٣/ ٢٤، الخصائص ٣/ ٣٣٠، والمصادر في الحاشية السابقة.
(٧) هو الطرماح بن حكيم الطائي.