وبعده بقوله: ومعلوم أن الماءَ يُشربُ ولا يُعلَفُ به، ولكنه نَصَبَ ذلك على ما وصفت قبلُ. وأغفل الشاهد الثاني لأنه يدل على الوجه الذي شرحه في الشاهد الأول.
رابعًا - التكرار للشرح.
يتكرر عند المفسرين الاستشهاد بالشاهد الشعري الواحد في عدة مواضع، منها ما يتكرر فيه موضع الشاهد، ومنها ما يختلف فيه موضع الشاهد وهذا ما سبقت الإشارة إليه في أنواع الشواهد الشعرية وسميتها «الشواهد المشتركة».
فعندما يتكرر إيراد المفسر للشاهد يتكرر شرحه له، ويختلف الشرح في المواضع طولًا وقصرًا، بحسب حاجة المقام، فقد يطيل في الموضع الأول دون الثاني، وقد يكون العكس، وقد يختصر الشرح في الموضعين كليهما. وأما إن اختلف موضع الشاهد في البيت فإنه يتناول بالشرح الشاهد من وجه آخر، فيكون هذا زيادة في إيضاح معنى بيت الشعر لمن يطلب شرحه، فلو جمع الباحث الشواهد الشعرية المكررة التي شرحها المفسرون لتبين له ما قدمه المفسرون في هذا الجانب. وسأضرب لذلك أمثلة تبين المقصود.
فمن أمثلة تكرر الشاهد الشعري مع اتفاق موضع الشاهد استشهاد الطبري على أن العرب تحذف من الكلام ما دل عليه الظاهر طلبًا للاختصار بقول ذي الرمة في نعت حَمِيْرٍ:
| فلمَّا لَبِسْنَ الليلَ أَو حِيْنَ نَصَّبَتْ | له مِنْ خَذَا آذَانِهَا وهُو جَانِحُ (١) |
_________
(١) انظر: ديوانه ٢/ ٨٩٧.
(٢) تفسير الطبري (هجر) ١/ ٣٤٤.