آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} [الرعد: ١] (١): «فموضع «الذي» رفع تستأنفه على «الحق»، وترفع كل واحد بصاحبه. وإن شئت جعلت «الذي» في موضع خفض، تريد: «تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك من ربك» فيكون خفضًا، ثم ترفع «الحق»، أي: ذلك الحق... وإن شئت جعلت «الذي» خفضًا فخفضت «الحق»، فجعلته من صفة «الذي»، ويكون «الذي» نعتًا لـ «الكتاب»، مردودًا عليه، وإن كانت فيه الواو، كما قال الشاعر:
إلى الملكِ القَرْمِ وابن الهُمامِ | وليثَ الكتيبة في المزدحم (٢) |
وكتاب «معاني القرآن» للفراء غلبت عليه شواهد الشعر النحوية، وهو أقدم كتاب وصل إلينا في النحو الكوفي، «فهو يهتم بالقواعد النحوية وصياغتها والتعريف بها مما يجعل منه مرجعَ نحوٍ بمعناه الشامل، لا كتابَ إعرابٍ وتوجيهٍ فقط» (٥).
ومن الأمثلة كذلك ما أجازه الفراء في حديثه عن قوله تعالى: ﴿أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨] (٦) من الخفضِ على المُجاورةِ، يقول: «وذلك من كلام العرب أن يتبعوا الخفض الخفض إذا أشبهه» (٧) ثم استشهد على رأيه بشواهد من الشعر، منها قول ذي الرمة:
كأَنَّمَا ضَرَبَتْ قُدَّامَ أَعيُنِها | قُطْنًا بِمُستحصدِ الأَوتارِ مَحْلوجِ (٨) |
(١) الرعد ١.
(٢) لم أعرف قائله.
(٣) معاني القرآن للفراء ٢/ ٥٧ - ٥٨، وانظر: تفسير الطبري (شاكر) ١٦/ ٣٢١.
(٤) انظر: معجم شواهد النحو الشعرية للدكتور حنَّا جميل حداد ٦٥١ رقم ٢٨٤١.
(٥) النحو وكتب التفسير لإبراهيم رفيده ١/ ٢٠٢.
(٦) إبراهيم ١٨.
(٧) معاني القرآن للفراء ٢/ ٧٤.
(٨) رواية الديوان (عهنًا) بدل (قطنًا) ومعناهما واحد، والمحلوج: القطن المندوف. انظر: شرح ديوانه ٢/ ٩٩٥.