فلا تندرج تحت الشواهد اللغوية ولا النحوية، وإنما أوردها المفسر لإيضاح المعنى الذي يرمي إليه ويقصده. وميدان التمثل بالأشعار باب واسع، لاستحسان الناس لها، وحفظهم لها، وربما تكون المناسبة التي ورد فيها الشاهد قريبة من المعنى الذي تعرضت له الآية المفسَّرة. وهذه الشواهد تكثر في تفاسير المتأخرين كالزمخشري والقرطبي، وتقل عند المتقدمين كأبي عبيدة والفراء والطبري. وأكثر ما يوردها المفسرون في مواضع الوعظ والوعد والوعيد، والتذكير بالآخرة والحث على مكارم الأخلاق وحسن الأدب، ونحو ذلك. فهي لا تعد من الشواهد بمعناها الاصطلاحي الذي اصطلح عليه اللغويون والنحويون، وإن كانت تدخل تحت ما ذكره الجاحظ من أن غاية رواة الأخبار أنهم يروون كل شعر فيه الشاهد والمثل (١)، وأن مدار العلم على الشاهد والمثل (٢).
ومن أمثلة هذه الشواهد الأدبية عند المفسرين ما أورده القرطبي وهو يقرر أن الواجب على من تصدى لتعليم الناس أن يقف حيث وقف به العلم، ولا يتعدى ذلك إلى القول بغير علم. (٣) وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)﴾ [البقرة: ٣٢] (٤)، من قول الشاعر (٥):
إذا ما تَحدثتُ في مَجْلِسٍ | تناهَى حَديثي إلى ما عَلِمْتُ |
ولم أَعْدُ عِلْمِي إلى غَيْرهِ | وكانَ إذا ما تناهى سَكَتُّ (٦) |
_________
(١) البيان والتبيين ٤/ ٢٤.
(٢) المصدر السابق ١/ ٢٧١.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١/ ١٩٧ - ١٩٨، وانظر: أبيات الاستشهاد لابن فارس ضمن نوادر المخطوطات لعبد السلام هارون ١/ ١٧٤ حيث ذكر ابن فارس أنه يتمثل به عندما يلاجك أحد أو يطاولك.
(٤) البقرة ٣٢.
(٥) هو يزيد بن الوليد بن عبدالملك.
(٦) انظر: عيون الأخبار ٢/ ١٢٥.