عَلَى مَا آتًاكُمْ] أَفادَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أن ﴿اعْمَلُوا﴾ جُملة في مَحَلَّ نَصْب لقولٍ مَحذوف التقديرُ: [قُلْنَا: ] ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ﴾، وأمَّا ﴿آلَ دَاوُودَ﴾ فهي مَنصوبة بـ (يا) النِّداء المَحذوفة؛ أي: يا آل داودَ، وآل داودَ هنا ذُرِّيَّتُه وقَرابتُه؛ لأنَّ الله تعالى أَنعَمَ على هذه القَبيلةِ؛ قبيلة داودَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بنِعَمٍ عَظيمة، أَنعَمَ على أبيهم وعلى ابنِهِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وقوله: ﴿شُكْرًا﴾ أَفادَنا بتَقدير الشُّكْر لله تعالى على أن ﴿شُكْرًا﴾ مَفعولٌ مِنْ أَجْله وأنَّ مَفعول ﴿اعْمَلُوا﴾ محَذوف، تَقديرُه: بطاعة الله تعالى؛ يَعنِي: اعمَلوا بطاعة الله تعالى لأَجْل الشُّكْر لله تعالى، ويحتَمل أن تَكون ﴿شُكْرًا﴾ مَفعولًا به لـ ﴿اعْمَلُوا﴾؛ يَعنِي: اعمَلوا الشُّكْر، والشُّكْر هو: الطاعة، ولكن هذا الوَجْهَ نَسلَم فيه من التَّقدير، أمَّا على الوَجْه الأَّوْل فإنه لا بُدَّ أن نُقدِّر مَفعول: ﴿اعْمَلُوا﴾.
والشُّكْر عرَّفه العُلَماء رَحِمَهُ اللَّهُ بأنه: القِيام بطاعة المُنعِم في القَلْب واللِّسان والجوارِح، أمَّا في القَلْب فأن تَعتَقِد بأن ما بِكَ من نِعمة فهي مِن الله تعالى، وأمَّا في اللِّسان بأن تُثنِيَ على الله تعالى بالنِّعمة، لا تَذكُر النِّعمة افتِخارًا بها على الناس، وأمَّا الجوارِح فأَنْ تَكون بطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما يَختَصُّ بتِلكَ النِّعْمةِ أو بطاعته على سبيل العُموم.
والفَرْق بين هذا وهذا؛ إذا قُلْنا: أن تَقوم بطاعة الله فيما يَختَصُّ بهذه النَّعْمةِ، فإذا أَنعَمَ الله تعالى عليكَ بمال فشُكرُهُ الزكاةُ والإنفاق، وما أَشبَهَ ذلك، فإذا عَصَيْت الله تعالى في غير ذلك لا يُقال: إنك لم تَقُمْ بشُكْر المال. أمَّا إذا قُلْنا: إن الشُّكْر هو أن تَقوم بطاعة الله تعالى فيما يَختَصُّ بهذه النَّعْمةِ وفي غيره؛ فإن الإنسان إذا أَنعَم عليه بمالٍ وقام بحَقَّه على الوَجْه الكامِل، ولكنه يَعصِي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أُمورٍ أخرى يُقال: إن هذا ليس بشاكِرٍ.


الصفحة التالية
Icon