ولكن قد نَقول: إن الشُّكْر نَوْعان: شُكْر مُطلَق؛ وهو الذي يَقوم بطاعة المُنعِم فيما أَنعَم به عليه فيه وفي غيره، وشُكْر خاصّ مُقيَّد لهذه النَّعْمة المُعيَّنة؛ فيَكون هذا الشاكِرُ إذا قام بما يَجِب عليه في هذه النَّعْمةِ المُعيَّنة شاكِرًا، لكنه لا يُعطَى وَصْف الشَّكور، ونَظيرُ ذلك ما سبَقَ لنا في التَّوبة، أنَّ التَّوْبة تَصِحُّ من الذَّنْب مع الإصرار على غيره، لكن لا يَستَحِقُ التائِبُ وَصْف التَّوْبة المُطلَق.
قال الله تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ العامِل بطاعَتي شُكرًا لنِعْمتي، وقوله تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ﴾ خبَرٌ مُقدَّم، و ﴿الشَّكُورُ﴾ هو مُبتَدَأ مُؤخَّر؛ لأن المَقصود الإِخْبار عن ﴿الشَّكُورُ﴾ بأنه قليل، ويَكون تَقديرُ الآية: والشَّكورُ من عِبادي قليل.
وقوله تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ﴾ هو مُتعَلِّق بما بعده فلمَّا قُدِّم عليه صار في مَوضِع نَصْبٍ على الحال؛ يَعنِي: ﴿الشَّكُورُ﴾ حال كونه من عباده ﴿وَقَلِيلٌ﴾ وتَعليل ذلك أن أكثَرَ بَني آدَمَ غيرُ شَكور، بل هم ضالُّون، فبَنو آدَمَ يَكون منهم تِسْعُ مئة وتسعةٌ وتِسعون في النَّار وواحِدٌ في الجنَّة، ولا شَكَّ أن واحِدًا إذا نُسِب إلى المِئة يَكون قليلًا.
وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالىَ: ﴿مِنْ عِبَادِيَ﴾ المُراد بالعُبودية هنا: العامَّة الشامِلة للكافِرين والمُؤمِنين.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: مِن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ أنَّ الله عَزوَجلَّ سخَر الجِنَّ لسُلَيْمانَ عليه السلامُ يَعمَلون له ما يَشاءُ، وهذا لا يَتَأتَّى لأحَدٍ من البَشَر، نعَمْ رُبَّما تَعمَل الجِنُّ لبعض البشَر أَشياءً، لكن لا تَكون قائِمةً بما شاء.