ولا عَقْرب ولا حَيَّة، وَيمُرُّ الغريب فيها وفي ثِيابه قَملٌ فيَموت؛ لطِيب هَوائِها] هكذا قال المفسِّر؛ وإنما نَقول: هي بلدةٌ طيَّبة، أمَّا كون الغريب يَأتي من البَرِّ وفي ثِيابه القَمْل فيَموت القَمْل لطِيب هوائِها.
فنَقول: الله تعالى أَعلَمُ. لكن نَقول: لا شَكَّ أن وَصْف الله تعالى إيَّاها بالطَيِّبة أنها من أحسَن البِلاد في هوائِها وفي قُرِّها وفي حَرَّها، ليس في الحَرَّ الشديد ولا القُرِّ القارِس، وليس فيها عُفونة الهَواء والماء وما أَشبَهَ ذلك، فخُذْ بما شِئْت من طِيب المَسكَن في كل ما يُسمَّى طِيبًا.
وقوله تعالى: ﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ يَعنِي: يَقول: والله ربٌّ غَفور، غَفور للذُّنوب، فمَنَّ الله تعالى عليهم بنِعْمَتَيْن: نِعمة السكَن وطِيبِهِ، ونِعمة المَغفِرة، فيَكون في نِعْمة المَغفِرة السلامةُ من الآثام وعُقوباتها في الآخِرة، وفي البَلْدة الطيَّبة السلامةُ من الآفات في الدنيا.
و(الغَفور) صِيغة مُبالَغة، واسْمُ الفاعِل منها (غافِر)، وهي مَأخوذة من (الغَفْر) بمَعنى السَّتْر مع الوِقاية، ومنه قولهم: (المِغْفَر) الذي يَلبَسه الإنسان؛ ليَتَّقِيَ به السَّهام في الحرب، ففيه تَغطية وسَتْر، وفيه أيضًا وِقاية، وهكذا (مَغفِرة الذُّنوب) فإنَّ معناه أنَّ الله تعالى يَستُر عليك الذَّنْب ويَقيك عُقوبته.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ﴾ دليلٌ على استِعمال التأكيد في الأُمور الهامَّة؛ وإن لم يَكُن المُخاطَب مُنكِرًا أو مُترَدَّدًا، تُؤخَذ من تأكيد هذه القِصَّة في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ﴾ لأن التَّأكيد كما نَعلَم إنما يَجِب