الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات الأَسْباب، تُؤخَذ من قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا﴾ فجعَل الله تعالى سبَبَ الإِرْسال إِعْراضَهم.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ المعاصيَ سبَبٌ لزوال النِّعَم؛ لقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا﴾ بينما كانوا مُنعَّمين، لمَّا أَعرَضوا أُرسِل عليهم هذا السَّيْلُ المُدمِّرُ.
وهذا له شواهِدُ في القرآن كثيرة، منها قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)﴾ [النحل: ١١٢].
ومِنها قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾. [الأعراف: ٩٦ - ٩٩]
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ المطَر الذي هو نِعْمة ورَحْمة قد يَكون نِقْمةً وعَذابًا؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾، فإن السَّيْل في الأصل الذي هو اجتِماع المطَر حتى يَتدَفَّق، الأصل أَنه خَيْر كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (٢٧)﴾ [السجدة: ٢٧]، وهذا خَيْر، ولكنه أحيانًا يَكون عذابًا.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: بَيان ضَلال أُولئك القومِ الذين إذا أَصابَتْهم مِثْلُ هذه المَصائِبِ من الفَيضانات وما أَشبَهَها لم يَتَأثَّروا لذلك، ويَقولون: هذا مُقتَضى الطبيعة. فإن هذه الفَيَضاناتِ التي تُدمِّر إنما هي عُقوبة من الله؛ ليَبْتَلِيَ بها أُولَئِك المُعذَّبين، وَيرتَدِع بها مَن كان على شاكِلَتِهم.