وقوله تعالى: ﴿لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾: ﴿صَبَّارٍ﴾ صِيغة مُبالَغة، أي: ذِي صَبْر على البَلايا، والصَّبْر في اللُّغة بمَعنَى: الحَبْس، وفي الشَّرْع: الحَبْس عمَّا يَحرُم عند المَصائِب، والناس في المَصائِب لهم أَرْبعة مَراتِبَ: مَرْتَبة السُّخْط، ومَرْتبة الصَّبْر، ومَرتَبة الرِّضا، ومَرْتبة الشُّكْر، وهو أعلاها، التَّسخُّط حرام والصَّبْر واجِب، والرِّضا مُستَحَبٌّ -على القول الراجِح-، والشُّكْر كذلك مُستَحَبٌّ، ولهذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هنا: ﴿لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ بيَّنها أي: عن المَعاصِي، بل وعلى أَقْدار الله تعالى، بل وعلى أَوامِر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأن الصَّبْر ثلاثة أنواع: صَبْر على طاعة الله تعالى، وصَبْر عن مَعصيته، وصَبْر على أقدار الله تعالى.
وقوله تعالى: ﴿شَكُورٍ﴾ أي: قائِمٍ بشُكْر الله تعالى بقَلْبه ولِسانه وجَوارِحه، فيَشكُر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على نِعَمه، وأمَّا كونها آيةً للصَّبَّار فظاهِر، وكونها آيةً للشَّكور كيف ذلك؟
الجوابُ: لأنَّ الإنسان إذا نظَرَ إلى حالهم وأنهم حَينما كانوا شاكِرين لله تعالى كان الله تعالى قد أَنعَم عليهم بهذه النِّعْمةِ، فيُستَدَلُّ بها على أن شُكْر الله تعالى مُوجِب لبَقاء نِعْمته على العَبْد.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: فيها دليل على أن هَؤلاءِ القومَ لم يَصبِروا على هذه النِّعَمِ، بل طلَبوا زوالها وتَغييرها، وهل هذا القولُ باللِّسان أو بالفِعْل؟ بمَعنَى: هل قالوا فِعْلاً: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ أو أنهم لمَّا ظَلَموا أَنفُسَهم وكفَروا صار ذلك سببًا لتَباعُدِ ما بين هذه القُرى حيث اندَمَرَت وفَسَدت وخَرِبت؟
الجوابُ: الأَوَّلُ هو ظاهِر اللَّفْظ، أنهم قالوا ذلك فِعْلًا فباعدَ الله تعالى بينهم.