ورحمةً بالمَشفوع له، وإحسانًا إليه.
وقول: ﴿عِندَهُ﴾ أَيْ: عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ وهنا لا تَنفَع الشَّفاعة عنده إلَّا لمَن أَذِنَ له؛ لكَمال سُلْطانه، فالنَّفْيُ هنا مُتضَمن لإثباتٍ وهو كَمال السُّلْطان؛ لأنَّ من كَمال السُّلْطان ألا يَتكَلم أحَد عند المَلِك المَشفوع إليه أبدًا إلَّا بإذْنه.
ولهذا تَجِد الإنسان إذا كان ذا هَيْبة عند النَّاس وكان في مجَلِسٍ تَجِد النَّاس لا يَتكَلَّمون هَيْبةً له، وتَجِد السلْطان إذا كان ذا هَيْبة ما أحَد يَقدِر أن يَتكَلَّم في مكان جُلوسه ولا مع أخيه سِرًّا؛ لأنهم يَهابونه؛ فلِكَمال سُلطان الله لا يَستَطيع أحَدٌ أن يَشفَع إلَّا بإذْنه، حتَّى أَخص عِباده به وهمُ الأنبياءُ وأَخَصهم محمدٌ - صَلَّى الله عليه وسلم - لا يُمكِن أن يَشفَع إلَّا إذا أذِنَ الله تعالى، حتَّى في مَقام الرحمة يوم القِيامة فإن الله تعالى يَجعَل يوم القِيامة مِئة رحمة يَرحَم بها الخلق في مَقام الرحمة وعند شِدة الهمِّ والغم المُقتَضي لرحمة الله تعالى ما يُمكِن أن يَشفَع الرسول - ﷺ - إلَّا بإذْن الله تعالى أبدًا؛ لكَمال سُلْطان الله إذا كانت الشفاعة لا تَنفَع إلَّا بإذْن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فهل هذه الأَصْنامُ المكروهة عند الله تعالى المُنحَطَّةِ عنده قَدْرًا هل يُمكِن أن تَشفَع لعابِديها؟ أبدًا حتَّى عيسى - ﷺ - الذي عُبِد من دون الله تعالى لا يُمكِن أن يَشفَع لعابِديه؛ ولهذا يَقول عليهِ السَّلام يومَ القِيامة: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة: ١١٧]، ولا يُمكِن أن يَشفَع لهم، ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ وقد سبَق أنَّ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا يَأذَن إلَّا إذا كان الشافِع والمَشفوع له من أهل الشَفاعة، وقال الله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: ٢٦]، وقال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨]؛ ولهذا