وقوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ فإذا كان هو الله، فما الواجِب علينا نَحنُ؟ إذا كان الذي يَرزُقنا هو الله فمِن أين نَطلُب من الرِّزْق؟ من الله تعالى، والذي أحَقُّ أن يُعبَد هو الذي يَرزُق.
وقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى﴾: ﴿وَإِنَّا﴾ الضمير يَعود على النَّبيّ - ﷺ - ومَن آمَن معَه، ﴿أَوْ﴾ حرف عَطْف (إيَّا) مَعطوفة على اسم (إِنَّ)؛ ولهذا جاءَت بالضمير المُنفصل المَنصوب؛ وخبَرُ المُبتَدَأ قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ يَعنِي: أننا لا نَخرُج عن إحدى هاتَيْن الحالَيْن: إمَّا الهُدى، وإمَّا الضَّلال؛ ولا يَخرُج أحَدُنا عن ذلك؛ فإمَّا نَحنُ على الهُدى وأنتم على الضَّلال، وإمَّا نحن على الضَّلال وأنتُم على الهُدَى، وأَمَّا كلُّنا على الهُدى أو كلُّنا على الضَّلال فلا؛ لأنَّ قولَنا وقولهم مُتَناقِض؛ لأنَّه ليس بعد الحَقِّ إلَّا الضَّلال، والنَّقيضان لا يَجتَمِعان ولا يَرتَفِعان؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، وليس هُناك ثالِثٌ؛ فماذا بعد الحَقِّ إلَّا الضَّلال!.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾ أي: أحَدُ الفَريقين ﴿لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ فقال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿لَعَلَى هُدًى﴾ ولم يَقُل: (لَفي هُدًى أو في ضَلال) ولم يَقُلْ: (لعَلَى هُدًى) أو (ضَلال)؛ لأنَّ الذي على هُدًى على جادَّة بيِّنة عُلْيا واضِحة؛ فلهذا قال تعالى: ﴿لَعَلَى هُدًى﴾، وصاحِب الحلال مُنغَمِس في ضَلاله تائِه حائِر ليس له حَقٌّ من العُلوِّ، بل هو مَغمور بالجهْل بكلِّ جانب؛ ولهذا قال: ﴿أَوْ فِي ضَلَالٍ﴾ و (في) للظَّرْفية، ومَعلوم أن الظَّرْف محُيط بالمَظروف؛ فالضَّلال محُيط بِهِم قد أَعمَى بصائِرَهم.
وقوله: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى﴾ يَعنِي: أننا على هُدًى ظاهِر بَيِّن عالٍ


الصفحة التالية
Icon