﴿أَوْ فِي ضَلَالٍ﴾ مُبين مُنغَمِس في الجهْل والضَّلال لا نَدرِي أين يَذهَب!
وتَأمَّل ما في هذه الآيةِ من الإِنْصاف، فهو إِنْصاف تامّ لا جِدالَ فيه؛ يَقول: أنَّا أو أنت على هُدًى أو في ضَلال مُبين، فهذا إِنْصاف، فلو قلت: أنا على هُدًى وأنت على ضَلال صار هذا جَوْرًا، ولا يُطيعك أحَد؛ لأنَّ خَصْمك سيَقول: (بل على العَكْس: أنا على هُدًى وأنت في ضَلال! )؛ فإذا أَنصَفتَ وقُلتَ: أنا أو أنت على هُدًى أو في ضَلال مُبين، فإن ذلك إِنْصاف لا أحَدَ يُجادِل فيه.
وقوله -رَحِمَهُ اللهُ-: [﴿فِي ضَلَالٍ مُبين﴾ بَيِّن] أَفادَنا المُفَسّر -رَحِمَهُ اللهُ- أن المُبين مِن الرُّباعيِّ بمَعنى: بَيِّن، من الثُّلاثي، لأنَّ (أَبان) تَأتِي مُتعَدِّية وتَأتي لازِمة؛ فتَقول: (أَبان الحقَّ) بمَعنَى: أَظهَره، وتَقول: (أَبان الصُّبْح) و (بان الصُّبْح) بمَعنَى: ظهَر.
إِذَنْ: ﴿مُبِينٍ﴾ تَقَع في سِياق بمَعنَى: مُظهِر، وتَقَع في سِياق بمَعنَى: ظاهِر، فمثَلًا في ﴿ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ بمَعنَى: ظاهِر، وقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف: ١ - ٢] بمَعنَى: المُظهِر، وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ فهُوَ بمَعنَى: المُظهِر. أمَّا (بانَ) بدون هَمْزة فهي بمَعنَى ظهَر لا غيرَ، ولا تَأتي بمَعنَى: مُظهِر.
قال المُفَسِّر -رَحِمَهُ اللهُ-: [في الإِبْهام تَلطُّف بهم، داعٍ إلى الإيمان إذا وُفِّقوا له]، قوله -رَحِمَهُ اللهُ-: [في الإِبْهام] الإبهام في: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾ فلم يَقُلْ: نحن على هُدًى وأنتم على ضَلال، أو نحن على ضَلال وأنتم على هُدًى، بل قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾، وهذا إبهام؛ لأنَّه لا يُدرَى أهؤلاءِ أَمْ هؤلاءِ؛ فتقول: إن هذا الإبهامَ فيه تَلطُّف بهِم داعٍ إلى الإِيمان إذا وُفِّقُوا له، هذا من جِهة مُعامَلتهم، وفيه أيضاً ما أَشَرْنا إليه قبلُ، وهو الإنصاف والعَدْل وعدَم الجوْر، فمَعناه: أننا نَقِف