﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٥٩]، ومعلومٌ أنَّ الله تعالى خَيرٌ، ولكن من باب التَّنزّل معهم قِيل لهم: الله تعالى خيرٌ أم أَصنامُكم وآلهِتكم.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: المُبالَغة في التَّنزُّل مع الخَصْم، وتَحمُّل الغَضاضة للوُصول إلى الغاية المَقصودة؛ لقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
ونَظيرُ هذا التَّنزُّل مع الخَصْم وتَحمُّل الغَضاضة: الشروطُ التي وقَعَتْ بين النبيِّ - ﷺ - وبين قُرَيْشٍ في صُلْح الحُدَيْبِية (١)، وكانت النَّتيجة والعاقِبة للرسول - ﷺ -.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن الإنسان لا يُسأَل عن عمَلِ غَيْره ولا يُسأَل غيرُه عن عمَلِه "لقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
ونَظيرُ ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨]، كلُّ إنسانٍ وعمَله، ويُستَثْنى من ذلك ما إذا كان عمَلُ الغير ناشِئًا عن عمَلِك، بأن تكون أنت الدَّالَّ عليه أو المُعينَ عليه، فإن لك من وِزْره بقَدْر عمَلِكَ.
وأمَّا قول النبيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّة سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (٢)، فهَذا لا يُخالِف الآياتِ الكريمةَ، لأنَّ حقيقة الأمر أنَّ وِزْر الغير مَبنِيٌّ على وِزْرك، فيَكون من فِعْلك فيَدخُل في إِجْرامِكَ.

(١) أخرجه البُخاريّ: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، رقم (٢٧٣١)، من حديث المسور ابن مخرمة، ومروان بن الحكم - رضي الله عنهما -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة، رقم (١٠١٧)، من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon