قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿كَلَّا﴾ رَدْع لهم عنِ اعتِقاد شَريك، أو رَدْع لهم أو إبطال لما يُمكِن أن يَدَّعوه من اعتِقاد الشريك، فقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿كَلَّا﴾ يَعنِي: لا شَريكَ له، ففيها إبطال شِرْك هَؤلاء، بل إِبطال آخَرُ ﴿بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، ﴿بَلْ هُوَ اللَّهُ﴾ أي: هو الله، الجملةُ هذه مُكوَّنة من مُبتَدَأ وخبَر ﴿هُوَ اللَّهُ﴾، وكِلاهما مَعرِفة، وقد قال أهل البَلاغة: إنَّه إذا عُرِّف المُسنَد والمُسنَد إليه في الجملة الخبَرية كانت دالَّة على الحصْر؛ مثال ذلك: تَقول: زيد قائِم. وتَقول: زيدٌ القائِمُ؛ الأُولى: زَيدٌ قائِم. لا تَمنَع أن يَكون غيرُه قائِمًا، والثانية: زيدٌ القائِمُ. تَدُلُّ على الحصر، أي: أنَّه وحدَه القائِمُ؛ وهنا: ﴿بَلْ هُوَ اللَّهُ﴾ جُملة خبَرية تُفيد الحضر، يَعنِي: ليس مَعبودٌ غير الله تعالى.
وقوله -رَحِمَهُ اللهُ-: [﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالِب على أَمْره الحكيم في تَدبيره لِخَلْقه، فلا يَكون له شَريك في مُلْكه، في هذا قُصور جِدًّا.
فقوله رَحَمهُ اللهُ: [﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالِب] سبَقَ لنا أن العِزَّة لها ثلاثة مَعانٍ: عِزَّة القَدْر، وعِزَّة القَهْر، وعِزَّة الامتِناع، فهو عزيز القَدْر مثل قولِنا: فلان عَزيز عليَّ. أي: قَدْره عِندي عظيم، وعِزَّة القَهْر مثل قوله تعالى: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ أي: غلَبَني فيه عِزَّة الامتِناع، أي: أن الله تعالى يَمتَنِع أن يَنالَه سُوء؛ لعِزَّته، ومنهم قولهم: (أَرْض عِزاز) أي: قوِيَّة صُلْبة.
أمَّا ﴿الْحَكِيمُ﴾ فتَقدَّم أن الحكيم مُشتَقٌّ من الحُكْم والإِحْكام، وأن الحُكْم كونيٌّ وشرعيٌّ، والإحكام يَكون في الكونيِّ والشرعيِّ في وَصْفه أو في صورته وغايته، وحينئذ تكون الحكيم دالة على أربعة أُمور: حُكْم كوني وحُكْم شرعيٌّ، وكل مِنهما محُكَم في صُورته التي هو عليها وفي الغاية منه، فتكون المَجموع أربعة؛ اثنان في اثنين بأربعة.