وابنُ مالِك رَحِمَهُ اللهُ يَقول:

وَبَعْدَ لَوْلَا غَالِبًا حَذْفُ الخَبْرْ حَتْمٌ...... (١)
فالمُبتَدَأ مَوجود هنا وهو (أنتُم)، والخَبَر مَحذوف قدَّره المُفَسّر رَحِمَهُ اللَّهُ بقَولِه: [صَدَدْتُمُونَا] وعَرَف أنه في هذا اللَّفْظِ من قولهم: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى﴾ فلا نُقدِّر هنا: لولا أنتم مَوْجودون، لأنَّ الصدَّ أخَصُّ من مُطلَق الوجود، وإذا كان لنا طريقٌ إلى تَقدير الأخَصِّ فهو أَوْلى من تقدير الأعَمِّ.
ولهذا قُلْنا: إن القارِئَ إذا قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) يُقدِّر المُتعَلّق بقوله: أَقرَأُ. لا بقَوْله: أَبتَدِئ، لأنَّ (أَبتَدِئ) عامَّة و (أَقرَأُ) خاصَّة، وهنا يُمكِن أن نَقول: لولا أنتم مَوْجودون. لكن ما دُمْنا نَجِد فِعْلًا أخَصَّ وهو الصدُّ المَدلول عليه بقوله تعالى: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ﴾ فإنه يَجِب أن نُقدِّر لولا أَنتُمْ صدَدْتمُونا ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ هذا هو جَواب الشَّرْط لكُنَّا مُؤمِنين؛ ولهذا اقتَرَن باللام.
وقوله: [﴿لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ بالنبيِّ]- ﷺ -، والأصحُّ أنَّه أَعَمُّ، أي: لكُنَّا مُؤمِنين بما تَشمَله رِسالة النبيِّ - ﷺ -، من الإيمان بالله تعالى، ومَلائِكته وكتُبِه ورُسُله واليوم الآخِر، وبغير ذلك ممَّا يَجِب الإيمان به.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: بيانُ عُتوِّ هؤلاءِ الكافِرين، وأنهم لم يَرجُوا الإيمانَ، بل قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: مُبالغَتُهم في الطُّغْيان والعُدوان، حيث أَشاروا إلى القرآن الكريم
(١) الألفية (ص: ١٨).


الصفحة التالية
Icon