وقال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧].
وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿هَلْ﴾ ما]، يَعني: أنها بمَعنى: (ما)، أي: أن الاستِفهام هنا بمَعنى النَّفيِ: هل يُجزَوْن إلَّا جزاءَ ما كانوا يَعمَلون، يَعنِي: هل يُكافَؤُون إلَّا على ما عمِلوا فقَطْ، والله عَزَّ وَجَلَّ لا يَظلِم أحَدًا.
فالاستِفْهام هنا بمَعنَى النفيِ، وقد تَقدَّم: أن النفيَ إذا صيغ بصيغة الاستِفْهام كان مُشرَبًا معنَى التَّحدِّي، يَعنِي: أنه لا يُمكِن أبدًا أن يُجزِيَ أحَدًا إلَّا ما عمِل.
وهنا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، والمُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أَضمَر مَحذوفًا قال: ﴿إلَّا﴾ جزاءَ ﴿مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾]، وما في القرآن بلا شَكٍّ أبلَغُ وأشَدُّ؛ لأنه إذا قال: إلَّا جزاءَ ما كانوا يَعمَلون؛ فإنه قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: إن الجزاءَ رُبَّما يَنقُص، وربَّما يَزيد، لكن إذا قال: ﴿إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ كأنهم يُجزَوْن بالعمَل نفسه؛ كان ذلك أبلغَ في امتِناع الزيادة أو النَّقْص، فما في القرآن أَوضَحُ، يَعني: أبلَغَ.
أمَّا وجهُ كون المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ يَقول: [﴿إلَّا﴾ جَزاء]، فإنه يقول: إن الذي يَكون يومَ القِيامة ليس هو العمَلَ، ولكنه جزاء العمَل، ولكننا نَقول: إن كلام الله عَزَّ وَجَلَّ أَفصَحُ وأبلَغُ، يَعنِي: كأَنَّ العمَل نَفْسَه هو الذي يُجزَوْن به، فيكون ذلك أبلَغَ في العَدْل.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: ﴿إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ في الدُّنيا] المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ في قوله: [في الدُّنْيا، أَفادَنا أن (كان) هنا للماضِي المُحقَّق، وقد تَقدَّم أن (كان) يُراد بها مجُرَّد اتِّصاف اسمها بخبَرها، مثل قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، ليس المَعنَى: كان فيما مضَى، بلِ المَعنَى أنه لم يَزَل ولا يَزال كذلك.