مَفعول مُطلَق، ولا نَقول: إنه مَصدَر؛ لأنه مخُالِف لعامِله في الاشتِقاق فـ (تُقرِّب) مِن قرَّبَ، و (زُلْفَى) مِن ازدَلَفَ بمَعنى قرُب، فالمعنى: أن هذه الأموال والأولاد لا تُقرِّبكم تقريبًا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، ويُحتَمَل أن المَعنى: ﴿بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ﴾ أَيْ: تُدنِيكم منَّا، والمَعنَى من حيثُ العُموم سواءٌ بالتي تُقرِّبكم عندنا زُلْفى، لكن يَختَلِف الإعرابُ، فإنه على المَعنى الثاني تَكون ﴿زُلْفَى﴾ مَفعولًا به لا مَفعولًا مُطلَقًا.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ﴾ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: ﴿إلَّا﴾ لكِن] إشارة إلى أَنَّ الاستِثْناء هنا مُنقَطِع؛ ووجهُه أن الكافَ في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ﴾ تَعود على الكافِرين؛ ومَن آمَن وعمِل صالِحًا فليس من الكافِرين.
والمُستَثْنى إذا كان من غير جِنْس المُستَثْنى منه فهو مُنقَطِع، فالمُنقَطِع هنا إذا كان الضميرُ في أموالكم يَعود على الكافِرين فالاستِثْناء مُنقَطِع قطعًا؛ لأن مَن آمَن وعمِل صالِحًا ليس من الكافِرين، وإذا جعَلْنا الخِطاب في قوله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ﴾ عائِدًا على جميع الناس المُخاطَبين صار الاستِثْناء مُتَّصِلًا.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ يَعنِي: فإن مَن آمَن وعَمِل صالِحًا تُقرِّبه أمواله وأولاده إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأنه يَعمَل فيها بطاعة الله تعالى، فيَكتَسِب المال عن طريقٍ حلالٍ، ويَصرِفه أيضًا في الطُّرُق النافِعة، وأولادُه كذلك يُربِّيهم وُيؤدِّبهم حتى يَكونوا قرَّة عَيْنٍ له في الحياة وبعد الممات.
وقد ثبَتَ عن النبيِّ - ﷺ - قال: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (١).

(١) أخرجه مسلم: كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم (١٦٣١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon