تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الطلاق: ١١] رُوعِيَ المَعنَى، وفي قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ [الطلاق: ١١] رُوعِيَ اللفظُ؛ ففي سِياق واحِد رُوعِيَ اللفظُ، ثُم المعنى، ثُم اللفظُ.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ﴾ أيِ: الجزاء المُضاعَف: الحسَنة بعَشَرة أمثالها إلى سَبْع مئة ضِعْف إلى أضعاف كثيرة.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿بِمَا عَمِلُوا﴾: (مَا) يُحتَمَل أن تَكون مَصدريةً، وأن تَكون مَوْصولةً، فإن كانت مَوصولةً فعائِدُها محذوف، والتَّقْدير: بما عمِلوه، وإن كانت مَصدرِيَّة فلا حاجةَ إلى عائِد، وَيكون التقدير: ﴿بِمَا عَمِلُوا﴾، أي: بعمَلهم، والباء هُنا للسبَبية؛ لأن النبيَّ - ﷺ - قال: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بعَمَلِهِ"، قالوا: ولا أَنتَ يا رسولَ الله؟ قال: "وَلَا أنَّا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله بِرَحْمَتِهِ" (١)؛ وهنا قال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا﴾ ولا مُنافاةَ؛ لأن الباء في قوله - ﷺ -: "لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ" باء المُعاوَضة التي هي كقولك: بِعْتُ هذا الثوبَ بدِينار.
وأمَّا الباء في قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿بِمَا عَمِلُوا﴾ فهي باء السبَبية أي: أن الله عَزَّ وَجَلَّ جعَل العمَل سببَ دُخول الجَنَّة، ولم يَجعَلِ الجنَّة عِوَضًا عن العمَل، بل العمَل سبَبُها.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿بِمَا عَمِلُوا﴾ أي: جزاء العمَل الحَسَنة بعَشْر أمثالهِا] الحسَنة مثَلًا بعَشْر [فأَكثَرَ ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ﴾ من الجنَّة ﴿آمِنُونَ﴾ من الموت وغيره، وفي قِراءة (الغُرْفةِ)، قِراءة سَبْعية؛ لأن قاعِدة المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ إذا قال: (فِي قِراءةٍ) فهي سَبْعية، وإذا قال رَحِمَهُ اللهُ: (قُرِئَ) فهي شاذَّة،

(١) أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (٥٦٧٣)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، رقم (٢٨١٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon