والقِراءة هنا: (فِي الغُرْفة) و ﴿فِي الْغُرُفَاتِ﴾، ولكن الغُرْفة بمَعنَى: الجمْع؛ لأن المُفرَد المُحلَّى بـ (أل) غيرِ العَهْدية يُفيد العُموم، كما في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢]، أي: إن كل إنسان، ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [بمَعنَى: الجَمْع] أيِ: الغُرْفة بمَعنَى: الجمْع.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ كَثْرة الأموال والأولاد لا تَستَلْزِم القُرْب إلى الله تعالى، فإنَّ مِن الناس مَن يَكون كثيرَ المال والولَد وهو من أبعَدِ الناس عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، ومِن الناس مَن يَكون قليلَ المال والولَد وهو من أَقرَب الناس إلى الله تعالى، فهذا النبيُّ عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ليس هو من أَكثَرِ الناس أموالًا وأولادًا، ومع ذلك فهو أَقرَبُ الناس إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا الرجُلُ الذي افتَخَرَ بماله ووَلَده وقال: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧]، إذا آتاه الله المال والولَد فإنه لا يَنفَعُه.
قال الله تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر: ١١ - ٢٦]، فالأموال والأَوْلاد لا تُقرِّب إلى الله تعالى.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن المُؤمِن الذي يَعمَل الصالحِاتِ فإن أَمْواله وأولادَه تُقرِّبه إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه يَكتَسِبها من حلال، وَيصرِفها في ما يُرضِي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى فيَكون مُنتَفِعًا بها، والأولاد كذلك يَقوم عليهم بالتَّرْبية والتَّعليم وغير ذلك من