وقوله تعالى: ﴿آبَاؤُكُمْ﴾ هل أُمَّهاتهم كذلك؟
الجوابُ: نعَمْ، لكنَّ الإنسان تَأخُذه الحَميَّة لأبيه أكثَرَ ممَّا تَأخُذه لأُمِّه؛ لأَنَّه مِن المعلوم أن الأبَ رَجُل والرجُل أَعقَلُ من المرأة، فإذا كانت آباؤُكم يَعبُدون هذه الأصنامَ ويُصِرُّون على عِبادتها -وهم العُقلاءُ- فإنه لا يَنبَغي لكم أن تَتَّبِعوا هذا الرجُلَ؛ الذي كان يُريد أن يَصُدَّكم عمَّا كان يَعبُد آباؤُكم.
وقالوا في القُرآن: ﴿مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ﴾ كذِب ﴿مُفْتَرًى﴾ على الله تعالى. فطَعَنوا في الرسول - ﷺ - بسُوء قَصْده، وأنه لا يَقصِد الإصلاحَ، وانما يُريد أن يَصُدَّكم عمَّا كان يَعبُد آباؤُكم، وطعَنُوا في القُرآن وفي الوَحْيِ الذي جاء به هذا الرسولُ - ﷺ -، وقالوا: ﴿مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾.
ومعلوم أنَّ هذه الصِّيغةَ صِيغةُ حَصْر، فعلى زَعْمهم ليس في القُرآن شيءٌ صِدْق، كلُّ القُرآن جملةً وتَفصيلًا ﴿إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾ أي: كذِب، هو بنَفْسه كذِب، وعلى على الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأَنَّه هناك كذِب مُطلَق يُكذِّبه الإنسان ولا يَنسُبه إلى أحَد، وهنا كذِب يَفتَرِيه الإنسان على غيرِه، فالقُرآن يَقولون: إنَّه كذِبٌ وإنه مُفتَرًى على الله عَزَّ وَجَلَّ. ولا ريبَ أنَّ هذه دَعوَى باطِلة فالقُرآن كما وصَفَه الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥]، وكذلك القُرآن من عند الله عَزَّ وَجَلَّ، بدليل أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ تَحدَّى هؤلاءِ أن يَأتوا بمِثْله فلم يَأتوا، فهو دليلٌ على أنَّه مِنْ عند الله وكُلُّ أَخباره صِدْقٌ وحقٌّ، خِلاف ما طعَن به هؤلاء.
وقالوا: ﴿مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾ فطَعَنوا في الرسول وطَعَنوا في المُرسَل به، والطَّعْن فيهما طَعْن في الله عَزَّ وَجَلَّ، كيف؟
الجوابُ: لأنَّ تمَكين الله تعالى لهذا الرسولِ، وتَأيِيده له، وإِنزال الآيات عليه