وهو كاذِبٌ سَفهٌ، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُؤيِّد رسوله بما يُنزِل عليه، وَيشهَد له بأنه حقٌّ، والرسول - ﷺ - يَدْعو الناس علَنًا وسِرًّا، فلو كان كاذِبًا على الله عَزَّ وَجَلَّ والله عَزَّ وَجَلَّ يُؤيِّده ويُمكِّنه لكان تمَكينُ الله عَزَّ وَجَلَّ له في غاية ما يَكون من السَّفَه، وهذا طَعْن في الله عَزَّ وَجَلَّ.
وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ هذه أيضًا دَعوَى ثالِثةٌ كاذبِةٌ، لكنه أَتَى بالإظهار في مَوضِع الإضمار ﴿وَقَالَ﴾ ولم يَقُل: وقالوا، بل ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ ليَشمَل هؤلاءِ وغيرَهم، كما قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات: ٥٢].
فقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يَشمَل هؤلاءِ وغيرَهم، ويُفيد أنَّ هؤلاءِ الذين قالوا هذا القولَ كُفَّار؛ لأَنَّه وصَفَهم بالكُفْر مُسنِدًا إليهم هذا القولَ، فيَكون ذلك سبَبًا لكُفْرهم.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: ﴿إِنْ﴾ في تَفسيرها [مَا] أي: أنَّ (إِنْ) نافِية، وهل يُشتَرَط لكونها نافِيةً أن تَأتيَ بعدها (إلَّا)؟
الجوابُ: لا، ولكن إذا أَتَتْ بعدها (إلَّا) فهى نافِية، كُلَّما أَتَت (إلَّا) بعدَ (إِنْ) فإنَّ (إِنْ) نافِية، ولا نَقول: إنها لا تَكون نافِيةً إلَّا إذا وقَعَتْ بعدها (إلَّا)؛ لأنها قد تَأتي نافيةً، وليس بعدها (إلَّا)، كقوله تعالى: ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا﴾ [يونس: ٦٨]، أي: ما عِندكم من سُلطانٍ بهذا، ومع ذلك فإن الجُملة هذه ليس فيها (إلا).
والخُلاصةُ: إذا أَتَت (إلَّا) بعد (إِنْ) كانت (إِنْ) نافِية، ولا يَلزَم أن تَأتيَ بعدها (إلَّا)، بل قد تَكون نافِية بدون (إلَّا).


الصفحة التالية
Icon