ولنا أن نَستَطْرِد حتى نَذكُر مَعانيَ (إِنْ)، فتَأتي نافِيةً كما هنا، وتَأتي شَرْطيةً كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٢٩]، وتَأتي زائدة كقول الشاعِر (١):

بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أنتُمُ ذَهَبٌ وَلاصَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمُ الخَزَفُ
وتَأتي مُخفَّفة مِنَ الثَّقيلة، مثل:
........................ وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ المَعَادِنِ (٢)
هذه مُخفَّفة من الثَّقيلة؛ إِذًا فتُستَعمَل في اللُّغة العَربية على أربعة أَوْجُهٍ.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ السِّحْر هو في اللُّغة: كل شيء خَفِيٍّ، وسُمِّي سِحْرًا، لمُطابَقته السَّحَر وهو آخِر الليل، لأنَّ آخِر الليل تَقَع فيه الأشياء خَفيَّةً؛ لكون الناس مُستَتِرين في بُيوتهم، فالسِّحْر في اللغة الشيءُ الخَفيُّ الذي يَخفَى أَمْرُه وسبَبُه، ولهذا أوَّل ما ظَهَرت الساعاتُ هذه قيل: إنها سِحْر!. وإذا جاءت أشياءُ غَريبةٌ على الناس خارِقة للعادة قالوا: هذا سِحْر. فهم يَقولون: إنَّ الذي جاء به محُمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هذا سِحْر، فعَصا مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ على رَأْيهم سِحْر، وإحياء عِيسى عَلَيهِ السَّلَامُ الموتى بإِذْن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سِحْر، وهذا الكلامُ الذي جاء به مُحمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سِحْر، "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا" (٣)، فقالوا: هذا كَلامٌ فَصيحٌ سحَرَ عُقول الناس.
(١) غير منسوب، وانظره في: أوضح المسالك (١/ ٢٦٦)، وشرح الأشموني (١/ ٢٥٤)، وهمع الهوامع (١/ ٤٤٩).
(٢) هو عجز بيت للطرماح بن حكيم الطائي. انظر: شرح الكافية لابن مالك (١/ ٥٠٩)، ديوان الطرماح (ص: ٢٨٠).
(٣) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الخطبة، رقم (٥١٤٦)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon