مَوْجودًا، وإلَّا فإنه غير موجود، كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: ٨٦]، فالرسولُ عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ما سأَلَ من أَجْر، بل قال لهم: إن كُنْتُ سأَلْتكم أَجْرًا فهو لكم، لا تُعطُوني إيَّاه، قال: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾: (إِنْ) بمَعنَى (مَا)، ومن علامة (إِن) النافية أن يَقَع بعدها (إِلَّا)، وذلك ليس بشَرْط.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ أي: ثَوابي على تَبليغي وعلى إِنْذاري، إلَّا على الله عَزَّ وَجَلَّ وحده، ونِعْمَ المُثيبُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن أَجْري على الله تعالى؛ فإنه سيَجلِب الثَّواب العظيم؛ لأن عَطاء أكرَم الأكرَمين سيَكون أعظَمَ العَطاء؛ ولهذا يَجزِي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحسَنَة بعَشْر أمثالها إلى سَبْعِ مِئة ضِعْف إلى أضعافٍ كثيرةٍ.
ثُم الداعِي إلى الله عَزَّ وَجَلَّ يُؤجَر على دَعْوته سواءٌ قُبِلَت أم رُفِضت، ويُؤجَر أيضًا على ما يَناله عليه من أذًى، سَواءٌ كان الأذَى قَوْليًّا أو فِعْليًّا، وسَواءٌ كان يَعود الأذى إلى رَدِّ ما جاء به، أو يَعود الأذى إلى اتِّهام هذا الإنسانِ بما يَشدَخ كرامَته.
وكلُّ هذا قد وقَعَ للرسول عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أُوذِيَ على دَعْوته وأُوذِيَ في ما يَخدِش كرامته ونزاهته، فأصحابُ الإِفْك لمَّا رمَوْا عائِشةَ - رضي الله عنها - ما رَمَوْا عائِشة لأنها عائِشةُ، رمَوْها لأنها زوجُ النبيِّ - ﷺ -، فالرسول - ﷺ - أُوذِيَ في عِرْضه وأُوذِيَ في بدَنه، وأُوذِيَ في مَهمَّته التي جاء من أَجْلها، فأَجرُه على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
واعلَمْ أنك كلَّما أُوذِيتَ في الدعوة إلى الله تعالى فإن ذلك زيادة أَجْرٍ لك من جِهة، وزيادةُ قوَّةٍ لدَعْوتك من جِهة أُخرى؛ لأن الإنسان إذا أُوذِيَ على شيء لا بُدَّ أن يَجِد مَن يَتَعاطَف معه كما تَقتَضِيه سُنَّة الله عَزَّ وَجَلَّ، حتى الذين يَتكلَّمون بالباطِل إذا أُوذوا على باطِلهم وجَدوا مَن يَتَعاطَف معهم، فكيف مَن يَتكلَّم بالحقِّ.


الصفحة التالية
Icon