تحَدٍّ في غير مَوضِعه؛ لأنَّ الرُّسُل لم تَقُل لهم: إنكم تُبعَثون الآنَ. بل إذا انتَهَت الخلائقُ ومات الخلْق كلّهم بُعِثوا، فهذا التَّحدِّي في غير مَوضِعه، هذا التَّحدِّي في مَوضِعه لو كانَتِ الرُّسُل تَقول: إنَّ الناس سيُبعَث أوَّلُهم الآنَ معَ وجود آخِرهم صحَّ أَنْ يُقال ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الدخان: ٣٦] أمَا وقد قالوا: إنهم سيُبعَثون بعد أن يَفنَى الخَلْق كلُّه ممَّن سيُبعَث، فهذا ليس فيه التَّحدِّي.
إِذَنْ: شُبهَتُهم الاستِبْعاد، والتَّحدَّي في غير مَوضِعه حيث قالوا: ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
يَقول الله سُبحَانَهُ وَتَعالى: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾: ﴿بَلَى﴾ هذه يُؤتَى بها لإِبْطال النَّفْي ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي﴾ أَمَر الله عَزَّ وَجَلَّ النَّبيَّ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن يَصدَع بخِلاف ما قالوا مُؤكِّدًا ذلك بالقَسَم واللاَّم والنُّون، فـ ﴿قُلْ بَلَى﴾ جوابٌ: لإِبْطال النَّفيِ و (رَبّي): قَسَم، واللام للتَوْكِيد، والنون أيضًا للتَوْكيد فالجمْلة مُؤكَدة بثلاث مُؤكِّدات.
وقوله تعالى: ﴿لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ أيِ: الساعةُ، وهذا أَحَد المَراضِع الثلاثة التي أَمَر الله به نَبيَّه أن يُقسِم عليها.
والمَوْضِع الثاني: قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [يونس: ٥٣].
والمَوْضِع الثالِث: قولُه تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن: ٧].
وإنَّما أَمَر الله تعالى نَبيَّه محُمَّدًا - ﷺ - أن يُقسِم على ذلك؛ لأَهمِّيَّته وعِظَمه؛ ولأَنَّه مُقتَضى البَلاغة؛ فإنَ مُقتَضى البَلاغة أنَ المُنكِر يُؤتَى له بالكَلام مُؤكَدًا بمُؤكِّدٍ واحِد


الصفحة التالية
Icon