وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾ أَيْ: بِمَا غَابَ عِلْمُهُ عَنْهم غَيْبَةً بَعِيدَةً؛ حَيْثُ قَالُوا فِي النَّبِيِّ - ﷺ -: سَاحِرٌ، وَشَاعِرٌ، وَكَاهِنٌ، وَفِي الْقُرآنِ: سِحرٌ، وَشِعرٌ، وَكَهانَةٌ]، وكذلك قالوا في البَعث: إنه مُستَحيل، مَن يُحيي العِظامَ وهي رميم؟ ! فحال هؤلاء إِذَنِ الكُفْر والكَلام بالغَيْب من مَكانٍ بعيدٍ، يَعني: أنهم يَتكلَّمون بأَمرٍ غائِبٍ عنهم، والغائِب بَعيدٌ عن الإنسان، وكيف يَتكلَّمون به وهم لا يَعلَمون.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: الإشارةُ إلى أن إيمانهم الحاضِر لا يَنفَعهم؛ لأنهم كفَروا من قَبلُ، فحين كان الإيمان نافِعًا كانوا كُفَّارًا، وحين كان الإيمان غيرَ نافِع كانوا مُؤمِنين؛ ولهذا إذا طلَعَتِ الشمسُ من مَغرِبها آمَنَ الناس كلُّهم، لكن الله - سبحانه وتعالى - يَقولُ: ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨].
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ هؤلاءِ الذين يَتكَلَّمون في حقِّ النبيِّ - ﷺ -، أو ما جاء به من الوَحيِ بالسَّب والعَيْب إنما يَتكَلَّمون رَجْمًا بالغيب؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٣].
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن هؤلاءِ لم يُحاولوا القُرب والنَّظَر فيما جاء به الرسول - ﷺ -، بل كانوا كالذي يَرمِي بالحِجارة من بُعدٍ، ولا يُريد أن يَقتَرِب؛ ليَتبيَن الأَمْر، وهذا سُوء أدَبٍ منهم؛ لأنَّ العَقْل يَقتَضي أن يَدنوا من الشيء؛ ليَتعَرَّفوا إليه، حتى لا يَقذِفونه من بعيد، لكن هم كانوا يَقذِفون بالغيب من مكان بعيدٍ، وهذا يُبْعِد أن يَكون الإيمان مَقبولًا منهم.