وعلى هذا فنَقول: إنَّ المُرادَ بآيات الله تعالى هنا أَعَمُّ من القُرْآن، يَشمَل السَّعيَ في أيِّ آيةٍ من آيات الله تعالى.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [﴿مُعَاجِزِينَ﴾ وَفي قِرَاءَةٍ هُنَا وَفي مَا يَأْتِي]، والأَصْل (مُعْجِزِينَ) (يَسْعَونَ في آياتِنا مُعْجِزِينَ)، وفي قِراءتنا هنا وفي ما يَأتي [﴿مُعَاجِزِينَ﴾ أَيْ: مُقدِّرِينَ عَجْزَنا أَوْ مُسابِقينَ لَنَا فيَفُوتونا بظَنِّهِمْ أَنْ لَا بَعْثَ وَلَا عِقَابَ].
إذَنْ: فيها قِراءَتان سَبْعِيَّتان أم إِحْداهما شاذَّة؟
الجوابُ: سَبْعيَّتان؛ لأنَّ مِن اصطِلاح المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أنه إذا قال: (وفي قَراءة) فهي سَبْعيَّةٌ، أمَّا إذا قال: (وقُرِئَ) فهي شاذَّةٌ، وهذا اصطِلاح خاصٌّ بالمُفَسِّر، فهذا وجَدْتَ في هذا التَّفسر (تفسير الجلالين): (وفي قِراءةٍ) فاعلَمْ أنها قراءة سَبْعيَّة، وإذا وجَدْت: (وقُرِئَ) فهي قِراءة شاذَّة، والفَرْق بينهما أن القِراءة السَّبْعية يَجوز أن يَقرَأ بها الإنسان في صلاته وَيتعَبَّد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى بها، وأمَّا الشاذَّةُ فهي على اسمِها شاذَّة، لكن هل يُحتَجُّ بها في الأَحْكام أو لا يُحتَجُّ؟ فيه خِلاف بين العُلَماء رَحمَهُم اللَّهُ.
إِذَنْ فيها قِراءتان: (مُعْجِزِينَ) أو ﴿مُعَاجِزِينَ﴾، المُعجِز مَعناه: الذي يُريد أن يُعجِز غيرَه بدون أن يَكون من الغَير مُقابَلة له، هذا المُعجِزُ، فيَكون الإِعْجازُ من طرَفٍ واحِدٍ، أي: أنهم يُريدون بهذا أن يُعجِزوا الله في عدَم مُؤاخَذَتهم وعِقابهم؛ لأنهم آمِنون من مَكْر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.
و﴿مُعَاجِزِينَ﴾ تَكون من طرَفَيْن كل واحد منهم يُريد إعجاز الآخَر فكأَنَّهم لطُغْيانهم وعُدوانهم جعَلوا أنفُسهم في مَقام الصِّراع مع الله؛ وإن كان الله يَريد أن يُعجِزَهم فإنهم أيضًا يُريدون أن يُعجِزوا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.


الصفحة التالية
Icon