فإن قِيل مثَلًا: هذا عزيزٌ عَلَيَّ؛ أي: ذُو قَدْر شَريفٍ عِنْدي، وفي الآية: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] يَعنِي: غلَبَني، هذه عِزَّة القَهْر والغَلَبة، ويُقال: أَرْضٌ عَزَازٌ. أي: قوِيَّةٌ شديدة ما يُؤثِّر فيها وَطْء الأقدام، وهذه عِزَّة الامتِناع، فالله مَوصوف بالعِزَّة بمَعانيها الثلاثة.
وأمَّا ﴿الْحَمِيدِ﴾ فيَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: إنه بمَعنَى: [المَحْمُودِ] وصحيحٌ أنَّ (فَعيل) تَأتي بمَعنَى (مَفعول)، ومنه قَوْلهم: (قتيل) بمَعنَى (مَقتول)، و (جَريحٌ) بمَعنَى (مجَروح)، لكنها تَأتي بمَعنَى (الفاعِل) أيضًا؛ مِثْل (عَليم) بمَعنَى (عالِم)، (عَزيز) بمعنى (عازّ)، (حَكيم) بمَعنَى (محُكِم)، وهكذا تَأتي بهذا المَعنَى.
فإذا كانت تَأتي بالوَجْهين جميعًا، أي: بالفاعِل والمَفعول؛ فهل الأَوْلى أن نَجعَلها مَقصورة على المَفعول أو نَجعَلها شامِلةً؟
الجوابُ: الأَوْلى أن نَجعَلها شامِلة؛ فهو عزَّ وَجَلَّ حَميدٌ بمَعنَى: حامِد، وبمَعنَى (مَحمود)، أمَّا كَونُه حامِدًا فما أَكثَرَ ما يُثنِي الله على عِباده المُؤمِنين، إِذَنْ هذا (حَمْد) فهو (حامِد) سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأمَّا كَوْنه محَمودًا، فهذا ظاهِر أن الله تعالى له الحمْدُ على كل حال.
والحاصِلُ: أنَّ تفسير المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ ﴿الْحَمِيدِ﴾ بـ (المَحمود) فيه قُصورٌ، والصَّواب: أنه بمَعنى (مَحمود) وبمَعنَى (حامِد)، وأن له الحمْدَ سُبحَانَهُ وَتَعَالى في الدُّنيا والآخِرة.
وفي إضافة الصِّراط إلى اسمِ الله تعالى ﴿الْحَمِيدِ﴾ فيه فائِدة؛ أنَّه يَدُلُّ على أنَّ مَن تَمسَّك بهذا الصِّراط فإنه (عزيزٌ) و (محَمودٌ) أَيْضًا؛ (محمود) على الْتِزامه بهذا الصِّراطِ.