فَإنْ قِيلَ: في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ في الدُّنيا أَمْ في الآخِرة؟
فالجوابُ: أنه لمَّا ذَكَر المَغفِرة فإن آثارَها لا تَظهَر إلاَّ في الآخِرة، ولكن -كما سَبَق- أنَّ الأَحسَن العُموم.
فإن قُلتَ: إننا نَجِد من المُؤمِنين العامِلين الصالحِاتِ مَن هو فقير، فأَينَ الكرَمُ في الرِّزْق؟
فالجوابُ: أن نَقول كما قال النَّبيُّ - ﷺ -: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" (١)، فقد يَكون الإنسان عنده مالٌ كثير لكن حاله حال الفُقراءِ.
أمَّا مَن لا يَرَى أن ما أُوتيه النبيُّ - ﷺ - حَقٌّ فهذا لا يُمكِن، فكل مَن أُوتِيَ عِلْمًا فإنه يَرَى أن ما جاء به النبيُّ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هو الحقُّ، لكنه يَكون مُعانِدًا مُستكبرًا، مُشكِلة هذا المُكابَرةِ، وهي أَمْرٌ ما فيها إلاَّ السَّيْف إذا استَحَقَّ القَتْل، وإلَّا كُلُّ إنسانٍ يُؤتَى العِلْم لا بُدَّ أن يَشهَد بالحقِّ لما جاء به الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لأنَّ ما جاء به الرسول مُطابِقٌ للواقِع، فلا بُدَّ أن يَعلَم أنه حَقٌّ.
وقد قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عن آل فِرعونَ: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، فهم يَستيقِنون بها، وَيعلَمون أنها الحقُّ لكنهم يَجحَدون، وقال: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣].
وقوله تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ يَشمَل كُلَّ مَن آتاه الله تعالى العِلْم حتى عبدَ الله بنَ سلَام وغيرَه، ومن الجائِز أن تَنزِل الآية قبل أن يَحدُث الواقِعُ.

(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، رقم (٦٤٤٦)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض، رقم (١٠٥١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon