الآخرة فظاهِر، وأمَّا عذاب الدُّنيا فما في قلوبهم من الحَرَج والضِّيق وما يَحصُل عليهم أيضًا من العذاب من الله، كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠]، وكذلك العذاب الذي يَجرِي على أَيْدي الرُّسُل كالعذاب الذي يَحصُل لهم بالهزائِم، فإن هذا من عذاب الدُّنيا، أمَّا الآخرة فظاهِر.
إِذَنْ: ﴿فِي الْعَذَابِ﴾ يَشمَل الدُّنيا والآخِرة، وتَقييده بالآخِرةِ فيه نظَرٌ، بل إنه يَجِب علينا ألَّا نُقيِّد شيئًا أَطلَقه الله تعالى إلاَّ بدليل من كِتاب الله تعالى، أو سُنَّة رسوله - ﷺ -، أو الإِجْماع.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ عَنِ الحَقِّ في الدُّنْيَا]؛ فهُمْ في ضَلال بَعيد، يَعنِي: عن الحقِّ، وهم أيضًا في ضَلال في الآخرة فإنهم لا يُهدون إلى الصِّراط الذي يَنجو به مَن عَبَرَه من النار، ولكنهم يُهدون إلى صِراط الجَحيم فيُضِلُّون عن الصِّراط الذي به النَّجاة.
قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٢٢ - ٢٣]، وقال تعالى عن المُؤمِنين: ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [التحريم: ٨]، فدلَّ ذلك على أن الضَّلال كما يَكون في الدنيا يَكون كذلك في الآخرة، فالأَوْلى إِذَنْ إِبْقاء النَّصِّ على عُمومه في الدُّنيا وفي الآخِرة.