يَعنِي: أن الله يَحُثُّهم على أن يَتَفَكَّروا حَثًّا يُراد به التَّهديدُ، فالرُّؤيةُ هنا شامِلة لرُؤْية النَّظَر بالعَيْن ورُؤْية القَلْب بالتَّفكُّر.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ مَا فَوْقَهُمْ وَمَا تَحْتَهُمْ]، أيُّهما الذي بين الأَيدي على كلام المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بِناءً على أنه لَفٌّ ونَشْرٌ مُرتَّب؛ يَكون ما فَوقَهم هو الذي بين أَيْديهم وما خَلْفهم هو الذي تَحتَهم.
وَلَكِنْ قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: إنَّ هذا صَرْفٌ للكلام عن ظاهِرِه بلا دَليلٍ، بل نَقول: ما بين أَيْديهم، أي: ما أَمامَهم وما خَلْفَهم ما وراء ظُهورِهم. فيَحتَمِل أنَّ المُراد بما بين أيديهم أمامَهم من الزَّمَن، ويَحتَمِل أن يَكون المُراد ما بين أَيْديهم أيِ: المَكان، وكذلك نَقول فيما خَلْفَهم.
فقد يَكون ما بين اليَدِ هو ما أَمامَك من الزمان وما خَلْفك ما خَلَّفْتَه من الزمان، كما في قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، أي: ما بين أيديهم ما يُستَقبَل، وما خَلْفَهم ما مَضَى، وقد يَكون المُراد به المَكانُ، كما تَقول: مرَرْتُ بين يَدَيِ المُصلِّي. أي: أَمامَه، وتَقول: المأمومُ يَقِف خَلْف الإِمام. أي: وراءَه في المَكان.
وأمَّا في قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ نَقول فيها: يَحتَمِل أن يَكون المُراد فيها المكان، ويَحتَمِل أن يَكون المُراد الزمان، والمُراد أن يَتَفَكَّروا في الأمر: هل نَجا أحدٌ من عذاب الله؟ انظُرْ ما بين يَدَيْك في المَكان، أو ما بين يَدَيْك في الزمان، وما خَلْفك من المكان أو الزمان: هل نَجا أَحَد من عذاب الله؟
والجوابُ: لا، لم يَنْجُ، إِذَنْ: هم أيضًا لا يَنْجُون من عذاب الله تعالى.